Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-49)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث عشرة مسألة : الأولى : قوله تعالى { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } « إذ » في موضع نصب عطف على { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي } . وهذا وما بعده تذكير ببعض النعم التي كانت له عليهم أي ٱذكروا نعمتي بإنجائكم من عدوّكم وجعل الأنبياء فيكم . والخطاب للموجودين والمراد مَن سلف من الآباء كما قال : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [ الحاقة : 11 ] أي حملنا آباءكم . وقيل : إنماقال « نجيناكم » لأن نجاة الآباء كانت سبباً لنجاة هؤلاء الموجودين . ومعنى « نجيناكم » ألقيناكم على نَجْوَة من الأرض ، وهي ما ٱرتفع منها . هذا هو الأصل ثم سُمِّيَ كل فائز ناجياً . فالنّاجي مَن خرج من ضيق إلى سَعة . وقرىء : « وإذ نَجّيْتُكم » على التوحيد . الثانية : قوله تعالى : { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } « آل فرعون » قومه وأتباعه وأهل دينه . وكذلك آل الرسول صلى الله عليه وسلم من هو على دينه وملّته في عصره وسائر الأعصار سواء كان نسيباً له أو لم يكن . ومن لم يكن على دينه وملّته فليس من آله ولا أهله ، وإن كان نسيبَه وقريبَه . خلافاً للرافضة حيث قالت : إن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة والحسن والحسين فقط . دليلنا قوله تعالى : { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } [ البقرة : 50 ] { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] أي آل دينه إذ لم يكن له ٱبن ولا بنت ولا أب ولا عمّ ولا أَخٌ ولا عَصَبة . ولأنه لا خلاف أن من ليس بمؤمن ولا مُوَحّد فإنه ليس من آل محمد وإن كان قريباً له ولأجل هذا يقال : إن أبا لهب وأبا جهل ليسا آله ولا من أهله وإن كان بينهما وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم قرابة ولأجل هذا قال الله تعالى في ٱبن نوح : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] . وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جِهَاراً غيرَ سِرّ يقول : " ألا إنّ آلَ أبي يعني فلاناً ليسوا لي بأولياء إنما وَلِيِّيَ اللّهُ وصالحُ المؤمنين " وقالت طائفة : آل محمد أزواجُه وذريَّتُه خاصة لحديث أبي حُميد السّاعدي أنهم قالوا : " يا رسول الله كيف نصلّي عليك ؟ قال : « قولوا اللَّهُمّ صلّ على محمد وعلى أزواجه وذُرّيته كما صلّيت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذُرّيته كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد » " رواه مسلم . وقالت طائفة من أهل العلم : الأهل معلوم ، والآل : الأتباع . والأوّل أصح لما ذكرناه ولحديث عبد اللَّه بن أبِي أَوْفَى : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : « اللّهُمّ صلّ عليهم » فأتاه أبي بصدقته فقال : « اللَّهُمّ صلّ على آل أبِي أَوْفَى » " . الثالثة : اختلف النحاة هل يضاف الآل إلى البلدان أو لا ؟ فقال الكسائي : إنما يقال آل فلان وآل فلانة ، ولا يقال في البلدان من آل حِمص ولا من آل المدينة . قال الأخفش : إنما يقال في الرئيس الأعظم ، نحو آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وآل فرعون لأنه رئيسهم في الضلالة . قال : وقد سمعناه في البلدان ، قالوا : أهل المدينة وآل المدينة . الرابعة : وٱختلف النحاة أيضاً هل يضاف الآل إلى المضمر أولا ؟ فمنع من ذلك النحاس والزبيدي والكسائيّ فلا يقال إلا اللَّهُمّ صلّ على محمد وآل محمد ، ولا يقال وآله ، والصواب أن يقال : أهله . وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك يقال منهم ٱبن السيِّد وهو الصواب لأن السماع الصحيح يَعْضُده ، فإنه قد جاء في قول عبد المطلب : @ لا هُمّ إن العبد يمـ ـنع رَحْلَه فٱمنع حِلالكْ وٱنصر على آل الصّليـ ـب وعابديه اليومَ آلكْ @@ وقال نُدْبة : @ أنا الفارس الحامي حقيقةَ والدي وآلي كما تَحْمِي حقيقةَ آلِكاً @@ الحقيقة بقافين : ما يَحُقّ على الإنسان أن يحميه أي تجب عليه حمايته . الخامسة : وٱختلفوا أيضاً في أصل آل فقال النحاس : أصله أهل ، ثم أبدل من الهاء ألفاً ، فإن صغّرته رددته إلى أصله فقلت : أُهَيْل . وقال المهدَوِيّ : أصله أوْل . وقيل : أهْل قُلبت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفاً . وجمعه آلون ، وتصغيره أُوَيْل فيما حكى الكسائي . وحكى غيره أهيل ، وقد ذكرناه عن النحاس . وقال أبو الحسن ابن كَيْسان : إذا جمعت آلاً قلت آلون فإن جمعت آلاً الذي هو السراب قلت آوال مثل مال وأموال . السادسة : قوله تعالى : { فِرْعَوْنَ } « فرعون » قيل : إنه ٱسم ذلك المَلِك بعينه . وقيل إنه ٱسم كل ملك من ملوك العمالقة مثل كسرى للفرس ، وقَيْصر للروم ، والنجاشي للحبشة . وإن ٱسم فرعون موسى : قابوس في قول أهل الكتاب . وقال وهب : ٱسمه الوليد بن مصعب بن الريّان ، ويكنى أبا مُرّة وهو من بني عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام . قال السهيليّ : وكل من وَلي القبط ومصر فهو فرعون . وكان فارسيًّا من أهل اصْطَخْر . قال المسعودي : لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية . قال الجوهري : فرعون لقب الوليد بن مصعب ملك مصر وكل عاتٍ فرعون . والعتاة : الفراعنة وقد تفرعن ، وهو ذو فرعنة أي دهاء ونكر . وفي الحديث : " أخذنا فرعون هذه الأمة " « وفرعون » في موضع خفض إلا أنه لا ينصرف لعُجْمته . السابعة : قوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ } قيل : معناه يذيقونكم ويلزمونكم إياه . وقال أبو عبيدة : يُولُونكم يقال : سلمه خُطّة خَسْف إذا أوْلاه إياها ومنه قول عمرو بن كُلثوم : @ إذا ما المَلْك سام الناسَ خَسْفاً أبَينا أن نُقرّ الخسف فينا @@ وقيل : يديمون تعذيبكم . والسَّوْم : الدوام ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرَّعْي . قال الأخفش : وهو في موضع رفع على الابتداء ، وإن شئت كان في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم . الثامنة : قوله تعالى : { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } مفعول ثان لـ « يسومونكم » ومعناه أشدّ العذاب . ويجوز أن يكون بمعنى سوم العذاب . وقد يجوز أن يكون نعتاً بمعنى سوماً سيئاً . فروي أن فرعون جعل بني إسرائيل خَدَماً وخَوَلاً وصنفهم في أعماله فصِنف يبنون ، وصِنف يحرثون ويزرعون ، وصِنف يتخدّمون وكان قومه جنداً ملوكاً ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال ضُربت عليه الجِزْية فذلك سوء العذاب . التاسعة : قوله تعالى : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } « يذبّحون » بغير واو على البدل من قوله : « يسومونكم » كما قال أنشده سيبويه ـ : @ مَتَى تأتنا تُلْمِم بنا في ديارنا تجد حطباً جَزْلاً وناراً تأجّجَا @@ قال الفَرّاء وغيره : « يذبحون » بغير واو على التفسير لقوله : { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } كما تقول : أتاني القوم زيد وعمرو فلا تحتاج إلى الواو في زيد ونظيره : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماًيُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ } [ الفرقان : 68 69 ] ، وفي سورة إبراهيم : { يُذَبِّحُونَ } بالواو ، لأن المعنى يعذّبونكم بالذّبح وبغير الذّبح . فقوله : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } جنس آخر من العذاب ، لا تفسير لما قبله . والله أعلم . قلت : قد يحتمل أن يقال : إن الواو زائدة بدليل سورة « البقرة » والواو قد تزاد ، كما قال : @ فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وٱنتحى @@ أي قد ٱنتحى . وقال آخر : @ إلى المَلِك القَرْم وٱبن الهمام وليثِ الكتيبة في المُزْدحم @@ أراد إلى الملك القرم ٱبن الهمام ليث الكتيبة وهو كثير . العاشرة : قوله تعالى : { يُذَبِّحُونَ } قراءة الجماعة بالتشديد على التكثير . وقرأ ٱبن مُحَيْصِن « يَذْبَحون » بفتح الباء . والذَّبح : الشّق . والذِّبح : المذبوح . والذُّبَاح : تشقق في أصول الأصابع . وذبحت الدَّن : بزلته أي كشفته . وسعدُ الذّابحُ : أحد السعود . والمذابح : المحاريب . والمذابح : جمع مذبح ، وهو إذا جاء السيل فخَدَّ في الأرض ، فما كان كالشبر ونحوه سمي مذبحاً . فكان فرعون يَذْبح الأطفال ويُبقي البنات ، وعبّر عنهم بٱسم النساء بالمآل . وقالت طائفة : « يذبِّحون أبناءكم » يعني الرجال ، وسُمُّوا أبناء لما كانوا كذلك وٱستدل هذا القائل بقوله : « نِساءكم » . والأوّل أصح لأنه الأظهر ، والله أعلم . الحادية عشرة : نسب الله تعالى الفعل إلى آل فرعون وهم إنما كانوا يفعلون بأمره وسلطانه لتولّيهم ذلك بأنفسهم وليعلم أن المباشر مأخوذ بفعله . قال الطبريّ : ويقتضي أن من أمره ظالم بقتل أحد فقتله المأمور فهو المأخوذ به . قلت : وقد ٱختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : يُقتلان جميعاً ، هذا بأمره والمأمور بمباشرته . هكذا قال النّخعِيّ وقاله الشافعيّ ومالك في تفصيل لهما . قال الشافعي : إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظُلماً كان عليه وعلى الإمام القَوَد كقاتَلْين معاً ، وإن أكرهه الإمام عليه وعلم أنه يقتله ظلما كان على الإمام القَوَد . وفي المأمور قولان : أحدهما : أن عليه القَوَد . والآخر لا قَوَد عليه وعليه نصف الدِّيَة حكاه ٱبن المنذر . وقال علماؤنا : لا يخلو المأمور أن يكون ممن تلزمه طاعة الآمر ويخاف شره كالسلطان والسيد لعبده ، فالقَوَد في ذلك لازم لهما أو يكون ممن لا يلزمه ذلك فيُقتَل المباشرُ وحده دون الآمر وذلك كالأب يأمر ولده ، أو المعلّم بعضَ صبيانه ، أو الصانع بعضَ متعلّميه إذا كان مُحْتَلِماً فإن كان غير محتلم فالقتل على الآمر ، وعلى عاقلة الصبيّ نصف الدية . وقال ٱبن نافع : لا يقتل السيد إذا أمر عبده وإن كان أعجمِياًّ بقتل إنسان . قال ٱبن حبيب : وبقول ٱبن القاسم أقول إن القتل عليهما . فأما أمر من لا خوف على المأمور في مخالفته فإنه لا يلحق بالإكراه بل يُقتل المأمور دون الآمر ، ويُضرب الآمر ويُحبس . وقال أحمد في السيّد يأمر عبده أن يقتل رجلاً : يُقتل السيّد . وروي هذا القول عن عليّ بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهما . وقال عليّ : ويُستودع العبد السجن . وقال أحمد : ويُحبس العبد ويُضرب ويؤدّب . وقال الثوريّ : يُعَزَّر السيد . وقال الحكم وحمّاد : يُقتل العبد . وقال قتادة : يُقتلان جميعاً . وقال الشافعيّ : إن كان العبد فصيحاً يَعقِل قُتل العبد وعُوقب السيد وإن كان العبد أعجمِياًّ فعلى السيّد القَود . وقال سليمان بن موسى : لا يُقتل الآمر ولكن تُقطع يديه ثم يُعاقب ويُحبس وهو القول الثاني ويقتل المأمور للمباشرة . كذلك قال عطاء والحكم وحماد والشافعيّ وأحمد وإسحٰق في الرجل يأمر الرجلَ بقتل الرجل وذكره ٱبن المنذر . وقال زُفَر : لا يُقتل واحد منهما وهو القول الثالث حكاه أبو المعالي في البرهان ورأى أن الآمر والمباشر ليس كل واحد منهما مستقلاً في القَوَد فلذلك لا يُقتل واحد منهما عنده . والله أعلم . الثانية عشرة : قرأ الجمهور « يذبِّحون » بالتشديد على المبالغة . وقرأ ٱبن مُحَيْصِن « يَذْبَحون » بالتخفيف . والأولى أرجح إذ الذّبح متكرر . وكان فرعون على ما رُوِيَ قد رأى في منامه ناراً خرجت من بيت المَقْدِس فأحرقت بيوت مصر فأُوِّلت له رؤياه : أن مولوداً من بني إسرائيل ينشأ فيكون خراب ملكه على يديه . وقيل غير هذا والمعنى متقارب . الثالثة عشرة : قوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُمْ } إشارة إلى جملة الأمر ، إذ هو خبر فهو كمفرد حاضر أي وفي فعلهم ذلك بكم بلاء ، أي ٱمتحان وٱختبار . و { بَلاۤءٌ } نعمة ومنه قوله تعالى : { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } [ الأنفال : 17 ] . قال أبو الهيثم : البلاء يكون حَسَناً ويكون سيئاً ، وأصله المِحنة والله عز وجل يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ، ويبلوه بالبلوَى التي يكرهها ليمتحن صبره فقيل للحَسَن بلاء ، وللسّيىء بلاء حكاه الهَرَوِيّ . وقال قوم : الإشارة بـ « ذلكم » إلى التنجية فيكون البلاء على هذا في الخير ، أي تنجيتكم نعمة من الله عليكم . وقال الجمهور : الإشارة إلى الذبح ونحوه ، والبلاء هنا في الشر والمعنى : وفي الذبح مكروه وٱمتحان . وقال ٱبن كَيْسان : ويقال في الخير أبلاه الله وبلاه وأنشد : @ جزَى اللَّهُ بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خيرَ البلاء الذي يَبلْوُ @@ فجمع بين اللغتين . والأكثر في الخير أبليته . وفي الشر بلوته ، وفي الاختبار ٱبتليته وبلوته قاله النحاس .