Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 54-54)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } القوم : الجماعة الرجال دون النساء قال الله تعالى : { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } [ الحجرات : 10 ] ثم قال : { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } [ الحجرات : 10 ] . وقال زُهير : @ وما أدرِي وسوف إخال أدرِي أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نساءُ @@ وقال تعالى : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } [ الأعراف : 80 ] أراد الرجال دون النساء . وقد يقع القوم على الرجال والنساء قال الله تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ نوح : 1 ] وكذا كل نبيّ مرسَل إلى النساء والرجال جميعاً . قوله تعالى : { يَاقَوْمِ } منادَى مضاف . وحذفت الياء في « يا قَوْم » لأنه موضع حذف والكسرة تدل عليها وهي بمنزلة التنوين فحذفتها كما تحذف التنوين من المفرد . ويجوز في غير القرآن إثباتها ساكنة فتقول : يا قومي لأنها ٱسم وهي في موضع خفص . وإن شئت فتحتها وإن شئت ألحقت معها هاء فقلت : يا قومِيَهْ . وإن شئت أبدلت منها ألفاً لأنها أخفّ فقلت : يا قوماً ، وإن شئت قلت : يا قوم بمعنى يأيها القوم . وإن جعلتهم نكرة نصبت ونوّنت . وواحد القوم ٱمرؤ على غير اللفظ . وتقول : قوم وأقوام وأقاوم جمع الجمع . والمراد هنا بالقوم عَبَدة العجل ، وكانت مخاطبته عليه السلام لهم بأمر من الله تعالى . قوله تعالى : { إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } ٱستغنى بالجمع القليل عن الكثير والكثير نفوس . وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القِلة ، والقليل موضع الكثرة قال الله تعالى : { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [ البقرة : 228 ] . وقال : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } [ الزخرف : 71 ] . ويقال لكل مَن فعل فعلا يعود عليه ضرره : إنما أسأتَ إلى نفسك . وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه . ثم قال تعالى : { بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ } قال بعض أرباب المعاني : عجلُ كلّ إنسان نفسه فمن أسقطه وخالف مراده فقد برىء من ظلمه . والصحيح أنه هنا عجل على الحقيقة عبدوه كما نطق به التنزيل . والحمد لله . قوله تعالى : { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } لما قال لهم : فتوبوا إلى بارئكم قالوا : كيف ؟ قال : { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } . قال أرباب الخواطر : ذَلِّلوها بالطاعات وكُفّوها عن الشهوات . والصحيح أنه قَتْلٌ على الحقيقة هنا . والقتل : إماتة الحركة . وقتلت الخمر : كسرت شدّتها بالماء . قال سفيان بن عُيَيْنة : التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم وكانت توبة بني إسرائيل القتل . وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العِجل بأن يقتل نفسه بيده . قال الزُّهْرِيّ : لما قيل لهم : { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] قاموا صفّين وقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم : كُفّوا . فكان ذلك شهادةً للمقتول وتوبةً للحيّ على ما تقدّم . وقال بعض المفسرين : أرسل الله عليهم ظلاماً ففعلوا ذلك . وقيل : وقف الذين عبدوا العجل صفًّا ، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم . وقيل : قام السبعون الذين كانوا مع موسى فقَتَلُوا إذ لم يعبدوا العجل مَن عبد العجل . ويروى أن يوشع بن نون خرج عليهم وهم مُحْتَبُون فقال : ملعون من حلّ حَبْوتَه أو مدّ طرفه إلى قاتله أو ٱتقاه بيد أو رِجل . فما حلّ أحد منهم حبوته حتى قتل منهم يعني من قتل وأقبل الرجل يقتل من يليه . ذكره النحاس وغيره . وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل أنفسهم على القول الأوّل لأنهم لم يغيّروا المنكر حين عبدوه وإنما ٱعتزلوا ، وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده . وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ولم يُغَيَّر عوقب الجميع . روى جرِير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي هم أعزّ منهم وأمنع لا يغيّرون إلا عَمّهم الله بعقاب " أخرجه ٱبن ماجه في سُننه . وسيأتي الكلام في هذا المعنى إن شاء الله تعالى . فلما ٱسْتَحَرّ فيهم القتل وبلغ سبعين ألفاً عفا الله عنهم . قاله ٱبن عباس وعليّ رضي الله عنهما . وإنما رفع الله عنهم القتل لأنهم أعطوا المجهود في قتل أنفسهم . فما أنعم الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي أفضل من التوبة . وقرأ قتادة : فأقيلوا أنفسكم من الإقالة أي ٱستقبلوها من العثرة بالقتل . قوله تعالى : { بَارِئِكُمْ } البارىء : الخالق وبينهما فرق ، وذلك أن البارىء هو المبدع المحدِث . والخالق هو المقدّر الناقل من حال إلى حال . والبَرِيّة : الخلق وهي فَعِيلة بمعنى مفعولة غير أنها لا تُهمز . وقرأ أبو عمرو « بارئكم » بسكون الهمزة ويشعركم وينصركم ويأمركم . وٱختلف النحاة في هذا فمنهم من يُسكن الضمة والكسرة في الوصل وذلك في الشعر . وقال أبو العباس المبرد : لا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب في كلام ولا شِعر . وقراءة أبي عمرو لحن . قال النحاس وغيره : وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الأئمة وأنشدوا : @ إذا اعْوَجَجْنَ قلتُ صاحبْ قَوِّمِ بالدَّو أمثالَ السَّفِين العُوَّمِ @@ وقال ٱمرؤ القيس : @ فاليومَ أشربْ غيرَ مُسْتَحْقِبٍ إثْماً من الله ولا واغِلِ @@ وقال آخر : @ قالتَ سُليمَى ٱشترْ لنا سَوِيقا @@ وقال الآخر : @ رُحتِ وفي رجليكِ ما فيهما وقد بدا هَنْكِ من المِئزرِ @@ فمن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجّته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علما للإعراب . قال أبو عليّ : وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات . وأصل برأ من تبرّى الشيء من الشيء وهو ٱنفصاله منه . فالخلق قد فُصلوا من العدم إلى الوجود ومنه بَرَأْت من المرض بَرْءاً بالفتح كذا يقول أهل الحجاز . وغيرهم يقول : برِئت من المرض بُرْءاً بالضم وبرئت منك ومن الديون والعيوب براءة ومنه المبارأة للمرأة . وقد بارأ شريكه وٱمرأته . قوله تعالى : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } في الكلام حذف ، تقديره ففعلتم « فتاب عليكم » أي فتجاوز عنكم ، أي على الباقين منكم . { إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } تقدّم معناه ، والحمد لله .