Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 63-64)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } هذه الآية تفسّر معنى قوله . تعالى : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } [ الأعراف : 171 ] . قال أبو عبيدة : المعنى زعزعناه فٱستخرجناه من مكانه . قال : وكل شيء قلعته فرمَيْتَ به فقد نتقته . وقيل : نتقناه رفعناه . قال ٱبن الأعرابيّ . الناتقُ الرافعُ ، والناتقُ الباسطُ ، والناتقُ الفاتقُ . وٱمرأة ناتق ومِنتاق : كثيرة الولد . وقال القُتَبِيّ : أُخذ ذلك مِن نَتْق السِّقَاء ، وهو نفضه حتى تُقتلع الزُّبْدة منه . قال وقوله : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } [ الأعراف : 171 ] قال : قُلع من أصله . وٱختلف في الطور فقيل : الطور ٱسم للجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه فيه التوراة دون غيره رواه ٱبن جريج عن ٱبن عباس . وروى الضحاك عنه أن الطور ما أنْبتَ من الجبال خاصة دون ما لم ينبِت . وقال مجاهد وقتادة : أي جبل كان . إلا أن مجاهداً قال : هو ٱسم لكل جبل بالسريانية وقاله أبو العالية . وقد مضى الكلام هل وقع في القرآن ألفاظ مفردة غير معرّبة من غير كلام العرب في مقدمة الكتاب . والحمد لله . وزعم البكري أنه سُمِّيَ بطور بن إسماعيل عليه السلام . والله تعالى أعلم . القول في سبب رفع الطور وذلك أن موسى عليه السلام لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة قال لهم : خذوها والتزِموها . فقالوا : لا ! إلا أن يكلّمنا الله بها كما كلّمك . فصعِقوا ثم أُحْيُوا . فقال لهم : خذوها . فقالوا لا . فأمر الله الملائكة فٱقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم فجُعل عليهم مثل الظُّلة ، وأُتُوا ببحرِ من خَلْفِهم ، ونار من قِبَل وجوههم ، وقيل لهم : خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيّعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل . فسجدوا توبةً لله وأخذوا التوراة بالميثاق . قال الطبري عن بعض العلماء : لو أخذوها أوّل مرة لم يكن عليهم ميثاق . وكان سجودهم على شِقّ لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفاً فلما رحمهم الله قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبّلها الله ورَحِم بها عباده ، فأمَرّوا سجودَهم على شِق واحد . قال ٱبن عطية : والذي لا يصح سواه أن الله تعالى ٱخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم آمنوا كرهاً وقلوبهم غير مطمئنة بذلك . قوله تعالى : { خُذُواْ } أي فقلنا خذوا فحذف . { مَآ آتَيْنَاكُم } أعطيناكم . { بِقُوَّةٍ } أي بِجد وٱجتهاد قاله ٱبن عباس وقتادة والسدّي . وقيل : بنيّةٍ وإخلاص . مجاهد : القوّة العمل بما فيه . وقيل : بقوّة ، بكثرة درس . { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } أي تدبّروه وٱحفظوا أوامره ووعيده ، ولا تنسوه ولا تضيّعوه . قلت : هذا هو المقصود من الكُتب ، العملُ بمقتضاها لا تلاوتها باللسان وترتيلها فإن ذلك نَبْذٌ لها على ما قاله الشعبي وٱبن عُيَيْنة وسيأتي قولهما عند قوله تعالى : { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ البقرة : 101 ] . وقد روى النسائي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ مِن شرّ الناس رجلاً فاسقاً يقرأ القرآن لا يَرْعَوِي إلى شيء منه " فبّين صلى الله عليه وسلم أن المقصود العمل كما بيّنا . وقال مالك : قد يقرأ القرآنَ مَن لا خير فيه . فما لزم إذاً مَن قبلنا وأُخذ عليهم لازمٌ لنا وواجبٌ علينا . قال الله تعالى : { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } [ الزمر : 55 ] . فأُمِرنا باتّباع كتابه والعمل بمقتضاه لكن تركنا ذلك ، كما تركت اليهود والنصارى ، وبقيت أشخاص الكتب والمصاحف لا تفيد شيئاً لغلبة الجهل وطلب الرياسة وٱتباع الأهواء . روى الترمذيّ عن جُبَيْر بن نُفَيْر " عن أبي الدّرداء قال : « كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : « هذا أوانٌ يُختلس فيه العلمُ من الناس حتى لا يقدرِوا منه على شيء » . فقال زياد بن لَبِيد الأنصاريّ : كيف يُختلس منا وقد قرأنا القرآن ! فوالله لَنقْرَأنه ولنُقرِئنّه نساءنا وأبناءنا . فقال : « ثَكِلَتْك أمُّك يا زياد أن كنتُ لأعُدّك من فقهاء المدينة هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تُغني عنهم » " وذكر الحديث ، وسيأتي . وخرّجه النسائي من حديث جُبير بن نُفير أيضاً عن عَوف بن مالك الأشجعيّ من طريق صحيحة ، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لزياد : " ثَكِلَتْك أُمُّك يا زياد هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى " وفي المُوَطَأ عن عبد اللَّه بن مسعود قال لإنسان : " إنك في زمانٍ كثيرٍ فقهاؤه ، قليلٍ قُرّاؤه ، تُحفظ فيه حدودُ القرآن وتُضَيّع حروفه ، قليل مَن يسأل ، كثيرٍ مَن يُعطِي ، يطيلون الصلاة ويُقْصِرون فيه الخطبة ، يبدأون فيه أعمالهم قبل أهوائهم . وسيأتي على الناس زمان قليلٌ فقهاؤه ، كثيرٌ قراؤه ، تُحفظ فيه حروف القرآن ، وتُضيّع حدوده كثيرٌ من يسأل ، قليلٌ من يعطى ، يطيلون فيه الخطبة ، ويقصِرون الصلاة ، يبدأون فيه أهواءهم قبل أعمالهم " وهذه نصوص تدل على ما ذكرنا . وقد قال يحيى : سألت ٱبن نافع عن قوله : يبدأون أهواءهم قبل أعمالهم ؟ قال يقول : يتبعون أهواءهم ويتركون العمل بالذي ٱفترض عليهم . وتقدّم القول في معنى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . فلا معنى لإعادته . وقوله تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } تولّى تفعّل ، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم ثم ٱستعمل في الإعراض عن الأوامر والأديان والمعتقدات إتساعاً ومجازاً . وقوله : { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد البرهان وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل . وقوله : { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } « فضلُ » مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف لا يجوز إظهاره لأن العرب ٱستغنت عن إظهاره إلا أنهم إذا أرادوا إظهاره جاءوا بأنّ ، فإذا جاءوا بها لم يحذفوا الخبر . والتقدير فلولا فضل الله تدارككم . { وَرَحْمَتُهُ } عطف على « فضل » أي لطفه وإمهاله . { لَكُنْتُم } جواب « لولا » . { مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } خبر كنتم . والخسران : النقصان وقد تقدّم . وقيل : فضله قبول التوبة ، و « رحمته » العفو . والفضل : الزيادة على ما وجب . والإفضال : فعل ما لم يجب . قال ٱبن فارس في المُجْمَل : الفضل الزيادة والخير ، والإفضال : الإحسان .