Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 74-74)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } القسوة : الصلابة والشدّة واليُبْس . وهي عبارة عن خلوّها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى . قال أبو العالية وقتادة وغيرهما : المراد قلوب جميع بني إسرائيل . وقال ٱبن عباس : المراد قلوب ورثة القتيل لأنهم حين حَيِيَ وأخبر بقاتله وعاد إلى موته أنكروا قتله ، وقالوا : كَذَب بعد ما رأوا هذه الآية العظمى فلم يكونوا قط أعمى قلوباً ، ولا أشدّ تكذيباً لنبيّهم منهم عند ذلك ، لكن نفذ حكم الله بقتله . روى الترمذي عن عبد اللَّه بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي " وفي مسند البزار عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربعة من الشقاء جمود العين وقساء القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا " قوله تعالى : { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } « أو » قيل : هي بمعنى الواو ، كما قال : { آثِماً أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] . { عُذْراً أَوْ نُذْراً } [ المرسلات : 6 ] وقال الشاعر : @ نال الخلافة أو كانت له قدراً @@ أي وكانت . وقيل : هي بمعنى بل كقوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] المعنى بل يزيدون . وقال الشاعر : @ بَدتْ مِثل قَرْن الشمس في رَوْنق الضحى وصورتِها أو أنت في العين أملح @@ أي بل أنت . وقيل : معناها الإبهام على المخاطب ومنه قول أبي الأسود الدُّؤَلِيّ : @ أحبّ محمداً حبًّا شديداً وعبّاساً وحمزة أو علِيّا فإن يك حبّهم رشداً أصِبْه ولستُ بمخطىء إن كان غيّا @@ ولم يشك أبو الأسود أن حبهم رشد ظاهر ، وإنما قصد الإبهام . وقد قيل لأبي الأسود حين قال ذلك : شككت ! قال : كلا ثم ٱستشهد بقوله تعالى : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] وقال : أو كان شاكًّا من أخبر بهذا ! وقيل : معناها التخيير ، أي شبهوها بالحجارة تصيبوا ، أو بأشد من الحجارة تصيبوا وهذا كقول القائل : جالس الحسن أو ٱبن سيرين ، وتعلّم الفقه أو الحديث أو النحو . وقيل : بل هي على بابها من الشك ، ومعناها عندكم أيها المخاطبون وفي نظركم أن لو شاهدتم قسوتها لشككتم : أهي كالحجارة أو أشدّ من الحجارة ؟ وقد قيل هذا المعنى في قوله تعالى : { إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] . وقالت فرقة : إنما أراد الله تعالى أن فيهم مَن قلبه كالحجر ، وفيهم من قلبه أشدّ من الحجر . فالمعنى : هم فرقتان . قوله تعالى : { أَوْ أَشَدُّ } « أشدّ » مرفوع بالعطف على موضع الكاف في قوله « كالحِجَارَة » لأن المعنى فهي مثل الحجارة أو أشدّ . ويجوز أو « أشدَّ » بالفتح عطف على الحجارة . و { قَسْوَةً } نصب على التمييز . وقرأ أبو حَيْوَةَ « قساوة » والمعنى واحد . قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ } قد تقدّم معنى الانفجار . ويشقّق أصله يتشقّق ، أدغمت التاء في الشين ، وهذه عبارة عن العيون التي لم تَعْظُم حتى تكون أنهاراً ، أو عن الحجارة التي تتشقّق وإن لم يجر ماء منفسح . وقرأ ٱبن مُصَرِّف « ينشقق » بالنون ، وقرأ « لمّا يتفجر » « لمّا يتشقّق » بتشديد « لما » في الموضعين . وهي قراءة غير متّجهة . وقرأ مالك ابن دينار « ينفجِر » بالنون وكسر الجيم . قال قتادة : عذر الحجارة ولم يعذِر شقيّ بني آدم . قال أبو حاتم : يجوز لما تتفجر بالتاء ، ولا يجوز لما تتشقق بالتاء لأنه إذا قال تتفجر أنّثه بتأنيث الأنهار وهذا لا يكون في تشقق . قال النحاس : يجوز ما أنكره على المعنى لأن المعنى وإن منها لحجارةً تتشقق وأما يشقق فمحمول على لفظ ما . والشَّق واحد الشُّقوق فهو في الأصل مصدر ، تقول : بيد فلان ورجليه شقوق ، ولا تقل : شقاق إنما الشُّقاق داء يكون بالدواب ، وهو تشقّق يصيب أرساغها وربما ٱرتفع إلى وظيفها عن يعقوب . والشَّق : الصبح . و « ما » في قوله : { لَمَا يَتَفَجَّرُ } في موضع نصب لأنها ٱسم إنّ واللام للتأكيد . « منه » على لفظ ما ، ويجوز منها على المعنى وكذلك { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ } . وقرأ قتادة « وإنْ » في الموضعين ، مخففة من الثقيلة . قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } يقول : إنّ من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم لخروج الماء منها وتردّيها . قال مجاهد : ما تردّى حجر من رأس جبل ، ولا تفجّر نهر من حجر ، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله نزل بذلك القرآن الكريم . ومثله عن ٱبن جُرَيج . وقال بعض المتكلمين في قوله : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } : البَرَد الهابط من السحاب . وقيل : لفظة الهبوط مجاز وذلك أن الحجارة لما كانت القلوب تعتبر بخلقها ، وتخشع بالنظر إليها ، أضيف تواضع الناظر إليها كما قالت العرب : ناقة تاجرة أي تبعث من يراها على شرائها . وحكى الطبريّ عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة كما ٱستعيرت الإرادة للجدار في قوله : { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } [ الكهف : 77 ] ، وكما قال زيد الخيل : @ لما أتى خبر الزبير تواضعت سورُ المدينة والجبالُ الخُشَّعُ @@ وذكر ٱبن بحر أن الضمير في قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْهَا } راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة أي من القلوب لما يخضع من خشية الله . قلت : كل ما قيل يحتمله اللفظ ، والأوّل صحيح فإنه لا يمتنع أن يعطى بعض الجمادات المعرفة فيعقل ، كالذي رُوِيَ عن الجِذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب ، فلما تحوّل عنه حنّ وثبت عنه أنه قال : " إن حجراً كان يسلّم عليّ في الجاهلية إني لأعرفه الآن " وكما روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " قال لي ثَبِير ٱهبط فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله " فناداه حراء : إليّ يا رسول الله . وفي التنزيل : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } [ الأحزاب : 72 ] الآية . وقال : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ الحشر : 21 ] يعني تذلُّلاً وخضوعاً ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة « سبحان » إن شاء الله تعالى . قوله تعالى : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } « بغافل » في موضع نصب على لغة أهل الحجاز ، وعلى لغة تميم في موضع رفع . والياء توكيد . { عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي عن عملكم حتى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا يحصيها عليكم { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 8 ] . ولا تحتاج « ما » إلى عائد إلا أن يجعلها بمعنى الذي فيحذف العائد لطول الاسم أي عن الذي تعملونه . وقرأ ٱبن كَثير { يَعْمَلُونَ } بالياء والمخاطبة على هذا لمحمد عليه السلام .