Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 79-79)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه خمس مسائل : الأولى : قوله : { فَوَيْلٌ } ٱختُلِف في الوَيْل ما هو فروى عثمان بن عفّان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه جبل من نار . وروى أبو سعيد الخُدْرِي أن الويل وادٍ في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفاً . وروى سفيان وعطاء بن يَسار : أن الويل في هذه الآية وادٍ يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار . وقيل : صهريج في جهنم . وحكى الزّهراوي عن آخرين : أنه باب من أبواب جهنم . وعن ٱبن عباس : الويل المشقة من العذاب . وقال الخليل : الويل شدّة الشر . الأصمعي : الويلُ تفجُّعٌ ، والوَيْحُ ترحُّمٌ . سيبويه : وَيْلٌ لمن وقع في الهَلَكة ، ووَيْحٌ زجرٌ لمن أشرف على الهَلَكة . ٱبن عرفة : الويل الحزن يقال : تَوَيّل الرجل اذا دعا بالويل وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه ومنه قوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } . وقيل : أصله الهَلَكة ، وكل من وقع في هَلَكة دعا بالويل ومنه قوله تعالى : { يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ } [ الكهف : 49 ] . وهي الوَيْل والوَيْلة ، وهما الهَلَكة ، والجمع الويلات قال : @ له الوَيْل إن أمْسَى ولا أمّ هاشم @@ وقال أيضاً : @ فقالت لك الوَيْلات إنك مُرْجلِي @@ وٱرتفع « وَيْلٌ » بالابتداء ، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء . قال الأخفش : ويجوز النصب على إضمار فعل أي ألزمهم الله وَيْلاً . وقال الفَرّاء : الأصل في الويل « وَيْ » أي حُزْن كما تقول : وَيْ لفلان أي حُزْن له ، فوصلته العرب باللام وقدّروها منه فأعربوها . والأحسن فيه إذا فُصل عن الإضافة الرفع لأنه يقتضي الوقوع . ويصحّ النصب على معنى الدعاء كما ذكرنا . قال الخليل : ولم يُسمع على بنائه إلا وَيْح ووَيْس وَويْه ووَيْك ووَيْل ووَيْب وكله يتقارب في المعنى . وقد فرّق بينها قوم وهي مصادر لم تنطق العرب منها بفعل . قال الجَرْمِيّ : ومما ينتصب ٱنتصاب المصادر وَيْلَه وعَوْلَه ووَيْحه ووَيْسَه فإذا أدخلت اللام رفعت فقلت : وَيْلٌ له ، ووَيْح له . الثانية : قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ } الكتابة معروفة . وأوّل من كتب بالقلم وخطّ به إدريس عليه السلام وجاء ذلك في حديث أبي ذَرّ ، خرّجه الآجُرّي وغيره . وقد قيل : إن آدم عليه السلام أعطي الخط فصار وراثة في ولده . الثالثة : قوله تعالى : { بِأَيْدِيهِمْ } تأكيد ، فإنه قد عُلم أن الكَتْب لا يكون إلا باليد فهو مثل قوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] ، وقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم } [ آل عمران : 167 ] . وقيل : فائدة { بِأَيْدِيهِمْ } بيان لجُرْمهم وإثبات لمجاهرتهم ، فإن مَن تولّى الفعل أشدّ مواقعة ممن لم يتوَلّه وإن كان رأياً له . وقال ٱبن السّراج : { بِأَيْدِيهِمْ } كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم ، وإن لم تكن حقيقة في كَتْبِ أيديهم . الرابعة : في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع ، فكل من بدّل وغيّر أو ٱبتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد ، والعذاب الأليم وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال : " ألاَ إنّ مَن قبلكم مِن أهل الكتاب ٱفترقوا على ٱثنتين وسبعين مِلّة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " الحديث ، وسيأتي . فحذّرهم أن يُحدِثوا من تلقاء أنفسهم في الدِّين خلاف كتاب الله أو سنته أو سنة أصحابه فيُضِلّوا به الناس وقد وقع ما حذّره وشاع ، وكثر وذاع فإنا لله وإنّا إليه راجعون . الخامسة : قوله تعالى : { لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقِلة إمّا لفنائه وعدم ثباته ، وإمّا لكونه حراماً لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله . قال ٱبن إسحٰق والكلبي : كانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم رَبْعة أسمر فجعلوه آدم سَبْطاً طويلاً ، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي يُبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا . وكانت للأحبار والعلماء رياسة ومكاسب فخافوا إن بيّنُوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم فمِن ثَمّ غيّروا . ثم قال تعالى : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } قيل من المآكل . وقيل من المعاصي . وكرَّر الويل تغليظاً لفعلهم .