Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 105-110)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } أي عن حال الجبال يوم القيامة . { فَقُلْ } فقد جاء هذا بفاء وكل سؤال في القرآن « قل » بغير فاء إلا هذا ، لأن المعنى إن سألوك عن الجبال فقل ، فتضمن الكلام معنى الشرط . وقد علم الله أنهم يسألونه عنها ، فأجابهم قبل السؤال ، وتلك أسئلة تقدمت سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عقب السؤال فلذلك كان بغير فاء ، وهذا سؤال لم يسألوه عنه بعد فتفهَّمه . { يَنسِفُهَا } يطيرها . { نَسْفاً } قال ابن الأعرابي وغيره : يقلعها قلعا من أصولها ، ثم يصيرها رملاً يسيل سيلاً ، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا . قال : ولا يكون العهن من الصوف إلا المصبوغ ، ثم كالهباء المنثور . { فَيَذَرُهَا } أي يذر مواضعها { قَاعاً صَفْصَفاً } القاع الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء قاله ابن الأعرابي . وقال الجوهري : والقاع المستوي من الأرض والجمع أَقوعٌ وأَقواعٌ وقِيعانٌ صارت الواو ياء لكسر ما قبلها . وقال الفراء : القاع مستنقع الماء والصفصف القرعاء . الكلبي : هو الذي لا نبات فيه . وقيل : المستوي من الأرض كأنه على صفّ واحد في استوائه قاله مجاهد . والمعنى واحد في القاع والصفصف فالقاع الموضع المنكشف ، والصفصف المستوي الأملس . وأنشد سيبويه : @ وكَمْ دُونَ بيتكَ من صَفْصَفٍ ودَكْدَاكِ رَمْلٍ وأَعْقَادِهَا @@ و « قاعا » نصب على الحال والصفصف . و { لاَّ تَرَىٰ } في موضع الصفة . { فِيهَا عِوَجاً } قال ابن الأعرابي : العِوج التّعوج في الفِجاج . والأَمْت النَّبَك . وقال أبو عمرو : الأَمْت النِّبَاك وهي التلال الصغار واحدها نَبَك أي هي أرض مستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع . تقول امتلأ فما به أَمْت ، وملأتُ القربة مَلأً لا أمت فيه أي لا استرخاء فيه . والأمت في اللغة المكان المرتفع . وقال ابن عباس : « عِوَجاً » مَيْلاً . قال : والأمت الأثر مثل الشراك . وعنه أيضاً « عِوَجاً » ، وادياً « وَلاَ أَمْتاً » رابية . وعنه أيضاً : العوج الانخفاض والأمت الارتفاع . وقال قتادة : « عِوَجاً » صدعاً « وَلاَ أَمْتاً » أي أكمة . وقال يمان : الأمت الشقوق في الأرض . وقيل : الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ويدق في مكان حكاه الصولي . قلت : وهذه الآية تدخل في باب الرُّقَى ترقى بها الثآليل وهي التي تسمى عندنا بالبراريق واحدها برُّوقة تطلع في الجسد وخاصة في اليد : تأخذ ثلاثة أعواد من تبن الشعير ، يكون في طرف كل عود عقدة ، تُمرّ كل عُقدة على الثآليل وتقرأ الآية مرة ، ثم تدفن الأعواد في مكان نديّ تعفّن وتعفّن الثآليل فلا يبقى لها أثر جرّبت ذلك في نفسي وفي غيري فوجدته نافعاً إن شاء الله تعالى . قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } يريد إسرافيل عليه السلام إذا نفخ في الصور { لاَ عِوَجَ لَهُ } أي لا معدل لهم عنه أي عن دعائه لا يزيغون ولا ينحرفون بل يسرعون إليه ولا يحيدون عنه . وعلى هذا أكثر العلماء . وقيل : { لاَ عِوَجَ لَهُ } أي لدعائه . وقيل : يتَّبعون الداعي اتباعاً لا عوج له فالمصدر مضمر والمعنى : يتّبعون صوت الداعي للمحشر نظيره : { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ قۤ : 41 ] الآية . وسيأتي . { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } أي ذَلَّت وسكنت عن ابن عباس قال : لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشّع ، فكل لسان ساكت هناك للهيبة . { لِلرَّحْمَـٰنِ } أي من أجله . { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } الهمس الصوت الخفيّ قاله مجاهد . عن ابن عباس : الحس الخفيّ . الحسن وابن جريج : هو صوت وقع الأقدام بعضها على بعض إلى المحشر ومنه قول الراجز : @ وهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا @@ يعني صوت أخفاف الإبل في سيرها . ويقال للأسد الهموس لأنه يَهمِس في الظلمة أي يطأ وطئاً خفيّاً . قال رؤبة يصف نفسه بالشدّة : @ ليثٌ يَدقُّ الأسدَ الهَمُوسَا والأَقْهَبينِ الفيلَ والجاموسَا @@ وهمس الطعام أي مضغه وفُوه منضمٌّ قال الراجز : @ لقد رأيتُ عجباً مُذْ أَمْسَا عجائزاً مثلَ السَّعَالِي خَمْسَا يَأْكلْنَ ما أصنع هَمْساً هَمْساً @@ وقيل : الهمسُ تحريك الشّفة واللسان . وقرأ أبيّ بن كعب « فَلاَ يَنْطِقُونَ إِلاَّ همْساً » . والمعنى متقارب أي لا يسمع لهم نطق ولا كلام ولا صوت أقدام . وبناء هـ م س أصله الخفاء كيفما تصرف ومنه الحروف المهموسة ، وهي عشرة يجمعها قولك : حَثَّهُ شَخْصٌ فَسَكَتَ وإنما سمى الحرف مهموساً لأنه ضَعُف الاعتمادُ من موضعه حتى جَرَى معه النفَس . قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } « من » في موضع نصب على الاستثناء الخارج من الأوّل أي لا تنفع الشفاعة أحداً إلا شفاعة من أذن له الرحمن . { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أي رضي قوله في الشفاعة . وقيل : المعنى ، أي إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع له ، وكان له قول يرضى . قال ابن عباس : هو قول لا إلٰه إلا الله . قوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي من أمر الساعة . { وَمَا خَلْفَهُمْ } مِن أَمرِ الدنيا قاله قتادة . وقيل : يعلم ما يصيرون إليه من ثواب أو عقاب « وما خلفهم » ما خلفوه وراءهم في الدنيا . ثم قيل : الآية عامة في جميع الخلق . وقيل : المراد الذين يتبعون الداعي . والحمد لله . قوله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } الهاء في « به » لله تعالى أي أحد لا يحيط به علما إذ الإحاطة مشعرة بالحدّ ويتعالى الله عن التحديد . وقيل : تعود على العلم أي أحد لا يحيط علماً بما يعلمه الله . وقال الطبري : الضمير في « أيديهم » و « خلفهم » و « يحيطون » يعود على الملائكة أعلم الله من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها .