Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 123-127)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } خاطب آدم وإبليس . « مِنها » أي من الجنة . وقد قال لإبليس : { ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } [ الأعراف : 18 ] فلعله أخرِج من الجنة إلى موضع من السماء ، ثم أُهبِط إلى الأرض . { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } تقدم في « البقرة » أي أنت عدوّ للحية ولإبليس وهما عدوّان لك . وهذا يدل على أن قوله : « اهبِطا » ليس خطاباً لآدم وحوّاء لأنهما ما كانا متعاديين وتضمن هبوط آدم هبوط حواء . { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } أي رشداً وقولاً حقاً . وقد تقدّم في « البقرة » . { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } يعني الرسل والكتب . { فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال ابن عباس : ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضلّ في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، وتلا الآية . وعنه : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب ، ثم تلا الآية . { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } أي ديني ، وتلاوة كتابي ، والعمل بما فيه . وقيل : عما أنزلت من الدلائل . ويحتمل أن يحمل الذكر على الرسول لأنه كان منه الذكر . { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي عيشاً ضيقاً يقال : منزل ضنك وعيش ضنك يستوي فيه الواحد والاثنان والمذكر والمؤنث والجمع قال عنترة : @ إنْ يُلحقوا أَكْررْ وإنْ يُستلحَمُوا أَشدُدْ وإنْ يُلْفَوْا بضَنْكٍ أنزِل @@ وقال أيضاً : @ إنّ المنيةَ لو تُمثَّل مُثِّلتْ مثلي إذا نَزلُوا بضَنْكِ المنزلِ @@ وقرىء « ضَنْكَى » على وزن فَعْلَى : ومعنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته ، فصاحبه ينفق مما رزقه الله عز وجل بسماح وسهولة ويعيش عيشاً رافِغاً كما قال الله تعالى : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [ النمل : 97 ] . والمعرض عن الدين مستولٍ عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا ، مسلط عليه الشحّ ، الذي يقبض يده عن الإنفاق ، فعيشه ضَنك ، وحاله مظلمة ، كما قال بعضهم : لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته ، وتَشوَّش عليه رزقُه ، وكان في عيشة ضنك . وقال عكرمة : « ضَنْكاً » كسباً حراماً . الحسن : طعام الضَّرِيع والزَّقُّوم . وقول رابع وهو الصحيح أنه عذاب القبر قاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود ، ورواه أبو هريرة مرفوعاً : عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرناه في كتاب « التذكرة » قال أبو هريرة : يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، وهو المعيشة الضنك . { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } قيل : أعمى في حال وبصيراً في حال وقد تقدّم في آخر « سبحان » . وقيل : أعمى عن الحجة قاله مجاهد . وقيل : أعمى عن جهات الخير ، لا يهتدي لشيء منها . وقيل : عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه ، كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه . { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ } أي بأي ذنب عاقبتني بالعمى . { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } أي في الدنيا ، وكأنه يظن أنه لا ذنب له . وقال ابن عباس ومجاهد : أي { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ } عن حجتي { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } أي عالماً بحجتي القشيري : وهو بعيد إذ ما كان للكافر حجة في الدنيا . { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا } أي قال الله تعالى له : { كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا } أي دلالاتنا على وحدانيتنا وقدرتنا . { فَنَسِيتَهَا } أي تركتها ولم تنظر فيها ، وأعرضت عنها . { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي تترك في العذاب يريد جهنم . { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } أي وكما جزينا من أعرض عن القرآن ، وعن النظر في المصنوعات ، والتفكر فيها ، وجاوز الحدّ في المعصية . { وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ } أي لم يصدق بها . { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ } أي أفظع من المعيشة الضّنك ، وعذاب القبر . { وَأَبْقَىٰ } أي أدوم وأثبت لأنه لا ينقطع ولا ينقضي .