Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { طه } اختلف العلماء في معناه فقال الصدّيق رضي الله تعالى عنه : هو من الأسرار ذكره الغزنوي . ابن عباس : معناه يا رجل ذكره البيهقي . وقيل : إنها لغة معروفة في عُكْلٍ . وقيل : في عَكّ قال الكلبي : لو قلت في عَكّ لرجل يا رجل لم يجب حتى تقول طه . وأنشد الطبريّ في ذلك فقال : @ دعوت بطه في القتال فلم يُجِبْ فخفتُ عليه أن يكون مُوَائِلا @@ ويروى : مُزايلا . وقال عبد الله بن عمرو : يا حبيبي بلغة عَكّ ذكره الغزنوي . وقال قطرب : هو بلغة طيّء وأنشد ليزيد بن المهلهِل : @ إنّ السَّفاهَة طَهَ من شمائلكم لا بارك الله في القوم المَلاَعِين @@ وكذلك قال الحسن : معنى « طه » يا رجل . وقاله عكرمة ، وقال : هو بالسريانية كذلك ذكره المهدويّ ، وحكاه الماوردي عن ابن عباس أيضاً ومجاهد . وحكى الطبريّ : أنه بالنَّبَطِيّة يا رجل . وهذا قول السدي وسعيد بن جبير وابن عباس أيضاً قال : @ إن السفاهة طه من خلائقكم لا قدّس الله أرواح الملاعين @@ وقال عكرمة أيضاً : هو كقولك يا رجل بلسان الحبشة ذكره الثعلبي . والصحيح أنها وإن وجدت في لغة أخرى فإنها من لغة العرب كما ذكرنا ، وأنها لغة يمنية في عَكّ وطيِّء وعُكل أيضاً . وقيل : هو اسم من أسماء الله تعالى ، وقَسَمٌ أقسم به . وهذا أيضاً مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقيل : هو اسم للنبي صلى الله عليه وسلم سماه الله تعالى به كما سماه محمداً . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لي عند ربي عشرة أسماء " فذكر أن فيها طه ويس ، وقيل : هو اسم للسورة ، ومفتاح لها . وقيل : إنه اختصار من كلام الله خص الله تعالى رسوله بعلمه . وقيل : إنها حروف مُقطَّعة ، يدل كل حرف منها على معنى واختلف في ذلك فقيل : الطاء شجرة طوبى ، والهاء النار الهاوية ، والعرب تعبر عن الشيء كله ببعضه كأنه أقسم بالجنة والنار . وقال سعيد بن جبير : الطاء افتتاح اسمه طاهر وطيب ، والهاء افتتاح اسمه هادي . وقيل : « طاء » يا طامع الشفاعة للأمة ، « هاء » يا هادي الخلق إلى الله . وقيل : الطاء من الطهارة ، والهاء من الهداية كأنه يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام : يا طاهراً من الذنوب ، يا هادي الخلق إلى علام الغيوب . وقيل : الطاء طُبول الغُزاة ، والهاء هيبتهم في قلوب الكافرين . بيانه قوله تعالى : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [ آل عمران : 151 ] وقوله : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } [ الأحزاب : 26 ] . وقيل : الطاء طرب أهل الجنة في الجنة ، والهاء هوان أهل النار في النار . وقول سادس : إن معنى « طه » طوبى لمن اهتدى قاله مجاهد ومحمد بن الحنفية . وقول سابع : إن معنى « طه » طَإِ الأرض وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورم ، ويحتاج إلى الترويح بين قدميه ، فقيل له : طإ الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح حكاه ابن الأنباري . وقد ذكر القاضي عياض في « الشفاء » أن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى « طه » يعني طَإِ الأرض يا محمد { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } . الزمخشري : وعن الحسن « طَهْ » وفُسّر بأنه أمر بالوطء ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه ، فأمر أن يطأ الأرض بقدميه معاً ، وأن الأصل طَأْ فقلبت همزته هاء كما قلبت ألفاً في « يطا » فيمن قال : @ … لا هَـنَـاكِ الـمـرتَـعُ @@ ثم بنى عليه هذا الأمر ، والهاء للسكت . وقال مجاهد : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يربطون الحبال في صدورهم في الصلاة بالليل من طول القيام ، ثم نسخ ذلك بالفرض ، فنزلت هذه الآية . وقال الكلبي : لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة ، واشتدّت عبادته ، فجعل يصلي الليل كله زماناً حتى نزلت هذه الآية ، فأمره الله تعالى أن يُخفِّف عن نفسه فيصلي وينام ، فنسخت هذه الآيةُ قيامَ الليل فكان بعد هذه الآية يصلي وينام . وقال مقاتل والضحاك : فلما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا ، فقال كفار قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى فأنزل الله تعالى « طه » يقول : يا رجل { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } أي لتتعب على ما يأتي . وعلى هذا القول : إن « طه » طاها أي طإِ الأرض فتكون الهاء والألف ضمير الأرض ، أي طَإِ الأرض برجليك في صلواتك ، وخُفِّفت الهمزة فصارت ألفاً ساكنة . وقرأت طائفة « طَهْ » وأصله طَأْ بمعنى طَإ الأرض فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت . وقال زرّ بن حبيش : قرأ رجل على عبد الله بن مسعود { طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } فقال له عبد الله : « طِهِ » فقال : يا أبا عبد الرحمن أليس قد أمر أن يطأ الأرض برجليه أو بقدميه . فقال : « طِهِ » كذلك أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأمال أبو عمرو وأبو إسحاق الهاء وفتحا الطاء . وأمالهما جميعاً أبو بكر وحمزة والكسائي والأعمش . وقرأهما أبو جعفر وشيبة ونافع بين اللفظين ، واختاره أبو عبيد . الباقون بالتفخيم . قال الثعلبي : وهي كلها لغات صحيحة فصيحة . النحاس : لا وجه للإمالة عند أكثر أهل العربية لعلتين : إحداهما أنه ليس ها هنا ياء ولا كسرة فتكون الإمالة والعلة الأخرى أن الطاء من الحروف الموانع للإمالة ، فهاتان علتان بينتان . قوله تعالى : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } وقرىء « مَا نُزِّلَ عَلَيكَ الْقُرْآنُ لِتَشْقَى » . قال النحاس : بعض النحويين يقول هذه لام النفي ، وبعضهم يقول لام الجحود . وقال أبو جعفر : وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول : إنها لام الخفض ، والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن للشقاء . والشقاء يمدّ ويقصر . وهو من ذوات الواو . وأصل الشقاء في اللغة العناء والتعب ، أي ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب . قال الشاعر : @ ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم @@ فمعنى لتشقى « لتتعب » بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ } [ الكهف : 6 ] أي ما عليك إلا أن تبلغ وتُذكِّر ، ولم يُكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة بعد أن لم تفرّط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة . وروي أن أبا جهل بن هشام لعنه الله تعالى والنضر بن الحارث قالا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك شقيّ لأنك تركت دين آبائك فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز ، والسبب في درك كل سعادة ، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها . وعلى الأقوال المتقدّمة أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسَمغدَّت قدماه فقال له جبريل : أبق على نفسك فإن لها عليك حقاً أي ما أنزلنا عليك القرآن لتنهك نفسك في العبادة ، وتذيقها المشقة الفادحة ، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة . قوله تعالى : { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } قال أبو إسحاق الزجاج : هو بدل من « تشقى » أي ما أنزلناه إلا تذكرة . النحاس : وهذا وجه بعيد وأنكره أبو عليّ من أجل أن التذكرة ليست بشقاء ، وإنما هو منصوب على المصدر ، أي أنزلناه لتذكِّر به تذكرة ، أو على المفعول من أجله ، أي ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به ، ما أنزلناه إلا للتذكرة . وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، مجازه : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى ، ولئلا تشقى . { تَنزِيلاً } مصدر أي نزّلناه تنزيلاً . وقيل : بدل من قوله : « تذكِرة » . وقرأ أبو حيوة الشامي « تنزِيل » بالرفع على معنى هذا تنزِيل . { مِّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَاوَاتِ ٱلْعُلَى } أي العالية الرفيعة ، وهي جمع العُليَا كقوله : كُبْرى وصُغرى وكُبَر وصُغَر أخبر عن عظمته وجبروته وجلاله ثم قال : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } ويجوز النصب على المدح . قال أبو إسحاق : الخفض على البدل . وقال سعيد بن مسعدة : الرفع بمعنى هو الرحمن . النحاس : يجوز الرفع بالابتداء ، والخبر { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فلا يوقف على « استوى » وعلى البدل من المضمر في « خلق » فيجوز الوقف على « اسْتَوَى » . وكذلك إذا كان خبر ابتداء محذوف ولا يوقف على « العُلاَ » . وقد تقدم القول في معنى الاستواء « في الأعراف » . والذي ذهب إليه الشيخ أبو الحسن وغيره أنه مستوٍ على عرشه بغير حَدٍّ ولا كَيْفٍ ، كما يكون استواء المخلوقين . وقال ابن عباس : يريد خلق ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وبعد القيامة . { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } يريد ما تحت الصخرة التي لا يعلم ما تحتها إلا الله تعالى . وقال محمد بن كعب : يعني الأرض السابعة . ابن عباس : الأرض على نون ، والنون على البحر ، وأن طرفي النون رأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها ، وهي التي قال الله تعالى فيها : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ } [ لقمان : 16 ] والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى . وقال وهب بن منبه : على وجه الأرض سبعة أبحر ، والأرضون سبع ، بين كل أرضَين بحر ، فالبحر الأسفل مطبق على شفير جهنم ، ولولا عِظمه وكثرة مائة وبرده لأحرقت جهنم كل من عليها . قال : وجهنم على متن الريح ، ومتن الريح على حجاب من الظلمة لا يعلم عظمه إلا الله تعالى ، وذلك الحجاب على الثرى ، وإلى الثرى انتهى علم الخلائق . قوله تعالى : { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } قال ابن عباس : السر ما حَدَّث به الإنسان غيره في خفاء ، وأخفى منه ما أضمر في نفسه مما لم يحدّث به غيره . وعنه أيضاً : السر حديث نفسك ، وأخفى من السر ما ستحدث به نفسك مما لم يكن وهو كائن أنت تعلم ما تسِر به نفسك اليوم ، ولا تعلم ما تُسِرّ به غداً ، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسرّه غداً والمعنى : الله يعلم السّر وأخفى من السّر . وقال ابن عباس أيضاً : « السر » ما أسر ابن آدم في نفسه ، { وَأَخْفَى } ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه ، فالله تعالى يعلم ذلك كله ، وعلمه فيما مضى من ذلك وما يستقبل علم واحد ، وجميع الخلائق في علمه كنفس واحدة . وقال قتادة وغيره : « السر » ما أضمره الإنسان في نفسه ، « وأخفى » منه ما لم يكن ولا أضمره أحد . وقال ابن زيد : « السر » سرّ الخلائق ، « وأخفى » منه سِره عز وجل وأنكر ذلك الطبري ، وقال : إن الذي هو « أخفى » ما ليس في سر الإنسان وسيكون في نفسه كما قال ابن عباس . { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } « الله » رفع بالابتداء ، أو على إضمار مبتدأ ، أو على البدل من الضمير في « يعلم » . وَحَّدَ نفسه سبحانه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا المشركين إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، فكبر ذلك عليهم ، فلما سمعه أبو جهل يذكر الرحمن قال للوليد بن المغيرة : محمد ينهانا أن ندعو مع الله إلٰهاً آخر وهو يدعو الله والرحمن فأنزل الله تعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } وأنزل : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] وهو واحد وأسماؤه كثيرة ثم قال : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } وقد تقدم التنبيه عليها في سورة « الأعراف » .