Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 72-76)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالُواْ } يعني السحرة { لَن نُّؤْثِرَكَ } أي لن نختارك { عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } قال ابن عباس : يريد من اليقين والعلم . وقال عكرمة وغيره : لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة فلهذا قالوا : { لَن نُّؤْثِرَكَ } . وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب ، فقيل لها : غلب موسى وهارون فقالت : آمنت برب موسى وهارون . فأرسل إليها فرعون فقال : انظروا أعظم صخرة فإن مضت على قولها فألقوها عليها فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح . وقيل : قال مقدّم السّحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى : انظر إلى هذه الحية هل تخوفت فتكون جنياً أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع فقال : ما تخوفت فقال : آمنت برب هارون وموسى . { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } قيل : هو معطوف على { مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا . وقيل : هو قسم أي والله لن نؤثرك . { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } التقدير ما أنت قاضيه . وليست « ما » هاهنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بابتداء وخبر . قال ابن عباس : فاصنع ما أنت صانع . وقيل : فاحكم ما أنت حاكم أي من القَطْع والصَّلْب . وحذفت الياء من قاض في الوصل لسكونها وسكون التنوين . واختار سيبويه إثباتها في الوقف لأنه قد زالت علة التقاء الساكنين . { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } أي إنما ينفذ أمرك فيها . وهي منصوبة على الظرف ، والمعنى : إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا . أو وقت هذه الحياة الدنيا ، فتقدر حذف المفعول . ويجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا ، فتنتصب انتصاب المفعول و « ما » كافة لإنّ . وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل « ما » بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت « هذه الحياة الدنيا » . { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا } أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } يريدون الشِّرْك الذي كانوا عليه . { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } « ما » في موضع نصب معطوفة على الخطايا . وقيل : لا موضع لها وهي نافية أي ليغفر لنا خطايانا من السّحر وما أكرهتنا عليه . النحاس : والأول أولى . المهدوي : وفيه بعدٌ لقولهم : { أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } [ الشعراء : 41 ] وليس هذا بقول مُكْرَهين ولأن الإكراه ليس بذنب ، وإن كان يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعليمه صغاراً . قال الحسن : كانوا يعلَّمون السحر أطفالاً ثم عملوه مختارين بعد . ويجوز أن تكون « ما » في موضع رفع بالابتداء ويضمر الخبر ، والتقدير : وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنَّا . و « من السحر » على هذا القول والقول الأوّل يتعلق بـ « ـأكرهتنا » . وعلى أنّ « ما » نافية يتعلق بـ « ـخطايانا » . { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي ثوابه خير وأبقى فحذف المضاف قاله ابن عباس . وقيل : الله خير لنا منك وأبقى عذاباً لنا من عذابك لنا . وهو جواب قوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } [ طه : 71 ] وقيل : الله خير لنا إن أطعناه ، وأبقى عذاباً منك إن عصيناه . قوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } قيل : هو من قول السحرة لما آمنوا . وقيل : ابتداء كلام من الله عز وجل . والكناية في « إنه » ترجع إلى الأمر والشأن . ويجوز إنّ من يأت ، ومنه قول الشاعر : @ إنّ من يَدخلِ الكنيسة يوماً يلْقَ فيها جآذِراً وظبَاءَ @@ أراد إنه من يدخل أي إن الأمر هذا وهو أن المجرم يدخل النار ، والمؤمن يدخل الجنة . والمجرم الكافر . وقيل : الذي يقترف المعاصي ويكتسبها . والأول أشبه لقوله : { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } وهذه صفة الكافر المكذّب الجاحد على ما تقدم بيانه في سورة « النّساء » وغيرها فلا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته . قال الشاعر : @ ألا مَنْ لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياةً لها طَعْمُ @@ وقيل : نفس الكافر معلقة في حنجرته كما أخبر الله تعالى عنه فلا يموت بفراقها ، ولا يحيا باستقرارها . ومعنى { مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } من يأت موعد ربه . ومعنى { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } أي يمت عليه ويوافيه مصدقاً به . { قَدْ عَمِلَ } أي وقد عمل { ٱلصَّالِحَاتِ } أي الطاعات وما أمر به ونهي عنه . { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات . ودل قوله : { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } على أن المراد بالمجرم المشرك . قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ } بيان للدرجات وبدل منها ، والعَدْن الإِقامة وقد تقدم بيانه . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا } أي من تحت غرفها وسررها { ٱلأَنْهَارُ } من الخمر والعسل واللبن والماء وقد تقدم . { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين دائمين . { وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } أي من تطهّر من الكفر والمعاصي . ومن قال هذا من قول السّحرة قال : لعل السّحرة سمعوه من موسى ، أو من بني إسرائيل إذ كان فيهم بمصر أقوام ، وكان فيهم أيضاً المؤمن من آل فرعون . قلت : ويحتمل أن يكون ذلك إلهاماً من الله لهم أنطقهم بذلك لما آمنوا والله أعلم .