Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 83-89)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } أي ما حملك على أن تسبقهم . قيل : عنى بالقوم جميع بني إسرائيل فعلى هذا قيل : استخلف هارون على بني إسرائيل ، وخرج معه بسبعين رجلاً للميقات . فقوله : { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } ليس يريد أنهم يسيرون خلفه متوجهين إليه ، بل أراد أنهم بالقرب مني ينتظرون عودي إليهم . وقيل : لا بل كان أمر هارون بأن يتبع في بني إسرائيل أثره ويلتحقوا به . وقال قوم : أراد بالقوم السبعين الذين اختارهم ، وكان موسى لما قرب من الطور سبقهم شوقاً إلى سماع كلام الله عز وجل . وقيل : لما وفد إلى طورسينا بالوعد اشتاق إلى ربه ، وطالت عليه المسافة من شدّة الشوق إلى الله تعالى ، فضاق به الأمر حتى شقّ قميصه ، ثم لم يصبر حتى خلّفهم ومضى وحده فلما وقف في مقامه قال الله تبارك وتعالى : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } فبقي صلى الله عليه وسلم متحيراً عن الجواب لهذه الكلمة لمّا استقبله من صدق الشوق فأعرض عن الجواب وكنى عنه بقوله : { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } وإنما سأله عن السبب الذي أعجله بقوله : « ما » فأخبر عن مجيئهم بالأثر . ثم قال : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } فكنى عن ذكر الشوق وصدقه إلى ابتغاء الرضا . ذكر عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة في قوله : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } قال : شوقاً . وكانت عائشة رضي الله عنها إذا أوت إلى فراشها تقول : هاتوا المجيد . فتؤتى بالمصحف فتأخذه في صدرها وتنام معه تتسلى بذلك رواه سفيان عن مِسْعَر عن عائشة رضي الله عنها . " وكان عليه الصلاة والسلام إذا أمطرت السماء خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول : « إنه حديث عهد بربّي » " فهذا من الرسول صلى الله عليه وسلم وممن بعده من قبيل الشوق ولذلك قال الله تبارك اسمه فيما يروى عنه : " طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق " وقال ابن عباس : كان الله عالماً ولكن قال { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ } رحمة لموسى ، وإكراماً له بهذا القول ، وتسكيناً لقلبه ، ورقة عليه فقال مجيباً لربه : { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } . قال أبو حاتم قال عيسى : بنو تميم يقولون : « هُمْ أولَى » مقصورة مرسلة ، وأهل الحجاز يقولون « أولاءِ » ممدودة . وحكى الفراء « هُمْ أَولاَيَ عَلَى أَثَرِي » وزعم أبو إسحاق الزجاج : أن هذا لا وجه له . قال النحاس : وهو كما قال لأن هذا ليس مما يضاف فيكون مثل هُدَايَ . ولا يخلو من إحدى جهتين : إما أن يكون اسماً مبهماً فإضافته محال وإما أن يكون بمعنى الذين فلا يضاف أيضاً لأن ما بعده من تمامه وهو معرفة . وقرأ ابن أبي إسحاق ونصر ورويس عن يعقوب « على إِثْرِي » بكسر الهمزة وإسكان الثاء وهو بمعنى أثر لغتان . { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } أي عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عنّي . يقال : رَجُلٌ عجِلٌ وعَجُلٌ وعَجُولٌ وعَجْلاَنُ بين العَجَلة والعَجَلة خلاف البطء . قوله تعالى : { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } أي اختبرناهم وامتحنّاهم بأن يستدلوا على الله عز وجل . { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } أي دعاهم إلى الضلالة أو هو سببها . وقيل : فتناهم ألقيناهم في الفتنة : أي زيّنا لهم عبادة العجل ولهذا قال موسى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } [ الأعراف : 155 ] . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان السامريّ من قوم يعبدون البقر ، فوقع بأرض مصر فدخل في دين بني إسرائيل بظاهره ، وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر . وقيل : كان رجلاً من القبط ، وكان جاراً لموسى آمن به وخرج معه . وقيل : كان عظيماً من عظماء بني إسرائيل ، من قبيلة تعرف بالسامرة وهم معروفون بالشام . قال سعيد بن جبير : كان من أهل كرمان . قوله تعالى : { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً } حال وقد مضى في « الأعراف » بيانه مستوفى . { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } وعدهم عز وجل الجنة إذا أقاموا على طاعته ، ووعدهم أنه يسمعهم كلامه في التوراة على لسان موسى ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم . وقيل : وعدهم النصر والظفر . وقيل : وعده قوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ } الآية . { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي أفنسيتم كما قيل والشيء قد ينسى لطول العهد . { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } « يحلّ » أي يجب وينزل . والغضب العقوبة والنقمة . والمعنى : أم أردتم أن تفعلوا فعلاً يكون سبب حلول غضب الله بكم لأن أحداً لا يطلب غضب الله ، بل قد يرتكب ما يكون سبباً للغضب . { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطّور . وقيل : وعدهم على أثره للمقيات فتوقفوا . { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } بفتح الميم ، وهي قراءة نافع وعاصم وعيسى بن عمر . قال مجاهد والسدي : ومعناه بطاقتنا . ابن زيد : لم نملك أنفسنا أي كنا مضطرين . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر « بِمِلْكِنَا » بكسر الميم . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لأنها اللغة العالية . وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملْكا . والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف كأنه قال : بمِلْكنا الصواب بل أخطأنا فهو اعتراف منهم بالخطأ . وقرأ حمزة والكسائي « بِمُلْكنا » بضم الميم والمعنى بسلطاننا . أي لم يكن لنا مُلك فنخلف موعدك . ثم قيل قوله : « قَالُوا » عام يراد به الخاص أي قال الذين ثبتوا على طاعة الله إلى أن يرجع إليهم من الطور : { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } وكانوا اثني عشر ألفا ، وكان جميع بني إسرائيل ستمائة ألف . { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ } بضم الحاء وتشديد الميم مكسورة قرأه نافع وابن كثير وابن عامر وحفص ورويس . الباقون بفتح الحرفين خفيفة . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لأنهم حملوا حُلي القوم معهم وما حملوه كرهاً . { أَوْزَاراً } أي أثقالاً { مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } أي من حليّهم وكانوا استعاروه حين أرادوا الخروج مع موسى عليه السلام ، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة . وقيل : هو ما أخذوه من آل فرعون ، لما قذفهم البحر إلى الساحل . وسميت أوزاراً بسبب أنها كانت آثاماً . أي لم يحلّ لهم أخذها ولم تحل لهم الغنائم ، وأيضاً فالأوزار هي الأثقال في اللغة . { فَقَذَفْنَاهَا } أي ثقل علينا حمل ما كان معنا من الحليّ فقذفناه في النار ليذوب ، أي طرحناه فيها . وقيل : طرحناه إلى السامريّ لترجع فترى فيها رأيك . قال قتادة : إن السامري قال لهم حين استبطأ القومُ موسى : إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحليّ فجمعوه ودفعوه إلى السامريّ فرمى به في النار ، وصاغ لهم منه عجلاً ، ثم ألقى عليه قبضة من أثر فرس الرسول وهو جبريل عليه السلام . وقال معمر : الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة ، فلما ألقى عليه القبضة صار عجلاً جسداً له خُوار . والخُوار صوت البقر . وقال ابن عباس : لما انسكبت الحليّ في النار ، جاء السامريّ وقال لهارون : يا نبيّ الله أؤلقي ما في يدي وهو يظن أنه كبعض ما جاء به غيره من الحليّ فقذف التراب فيه ، وقال : كن عجلاً جسداً له خُوار ، فكان كما قال للبلاء والفتنة فخار خَورة واحدة لم يُتبعها مثلها . وقيل : خُواره وصوته كان بالريح لأنه كان عمل فيه خروقاً فإذا دخلت الريح في جوفه خار ولم تكن فيه حياة . وهذا قول مجاهد . وعلى القول الأوّل كان عجلاً من لحم ودم ، وهو قول الحسن وقتادة والسديّ . وروى حماد عن سِماك عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال : مرّ هارون بالسامريّ وهو يصنع العجل ، فقال : ما هذا ؟ فقال : ينفع ولا يضر فقال : اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه فقال : اللهم إني أسألك أن يخور . وكان إذا خار سجدوا ، وكان الخوار من أجل دعوة هارون . قال ابن عباس : خار كما يخور الحيّ من العجول . وروي أن موسى قال : يا رب هذا السامريّ أخرج لهم عجلاً جسداً له خُوار من حليّهم ، فمن جعل الجسد والخوار ؟ قال الله تبارك وتعالى : أنا . قال موسى صلى الله عليه وسلم : وعزتك وجلالك وارتفاعك وعلوك وسلطانك ما أضلّهم غيرُك . قال : صدقت يا حكيم الحكماء . وقد تقدّم هذا كله في سورة « الأعراف » . { فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } أي قال السامريّ ومن تبعه وكانوا ميالين إلى التّشبيه إذ قالوا : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] . { فَنَسِيَ } أي فضلّ موسى وذهب يطلبه فلم يعلم مكانه ، وأخطأ الطريق إلى ربه . وقيل : معناه : فتركه موسى هنا وخرج يطلبه . أي ترك موسى إلهه هنا . وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : أي فنسي موسى أن يذكر لكم أنه إلهه . وقيل : الخطاب خبر عن السامريّ . أي ترك السامريّ ما أمره به موسى من الإيمان فضل قاله ابن الأعرابيّ . فقال الله تعالى محتجاً عليهم : { أَفَلاَ يَرَوْنَ } أي يعتبرون ويتفكرون في { أنـ } ـه { لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } أي لا يكلمهم . وقيل : لا يعود إلى الخوار والصوت . { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } فكيف يكون إلٰهاً ؟ ! والذي يعبده موسى صلى الله عليه وسلم يضر وينفع ويثيب ويعطي ويمنع . « أَنْ لاَ يَرْجِعُ » تقديره أنه لا يرجع فلذلك ارتفع الفعل فخففت « أن » وحذف الضمير . وهو الاختيار في الرؤية والعلم والظن . قال : @ في فتيةٍ من سيوف الهند قد علموا أَنْ هالكٌ كلُّ من يَحْفَى ويَنْتَعِلُ @@ وقد يحذف مع التشديد قال : @ فلو كنتَ ضَبِّيًّا عرفتَ قَرَابتي ولكنَّ زنجيٌّ عظيمُ المشافِرِ @@ أي ولكنك .