Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 94-98)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } ابن عباس : أخذ شعره بيمينه ولحيته بيساره لأن الغيرة في الله ملكته أي لا تفعل هذا فيتوهموا أنه منك استخفاف أو عقوبة . وقد قيل : إن موسى عليه السلام إنما فعل هذا على غير استخفاف ولا عقوبة كما يأخذ الإنسان بلحية نفسه . وقد مضى هذا في « الأعراف » مستوفٍ . والله عز وجل أعلم بما أراد نبيه عليه السلام . { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } أي خشيت أن أخرج وأتركهم وقد أمرتني أن أخرج معهم ، فلو خرجت لاتبعني قوم ويتخلف مع العجل قوم وربما أدّى الأمر إلى سفك الدماء وخشيت إن زجرتهم أن يقع قتال فتلومني على ذلك . وهذا جواب هارون لموسى عليه السلام عن قوله : { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } وفي الأعراف { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ } [ الأعراف : 150 ] لأنك أمرتني أن أكون معهم . وقد تقدم . ومعنى { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } لم تعمل بوصيتي في حفظهم لأنك أمرتني أن أكون معهم قاله مقاتل . وقال أبو عبيدة : لم تنتظر عهدي وقدومي . فتركه موسى ثم أقبل على السامريّ فـ { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } أي ، ما أمرك وشأنك ، وما الذي حملك على ما صنعت ؟ قال قتادة : كان السامريّ عظيماً في بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة ، ولكن عدو الله نافق بعد ما قطع البحر مع موسى ، فلما مرّت بنو إسرائيل بالعمالقة وهم يعكفون على أصنام لهم { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] فاغتنمها السامريّ وعلم أنهم يميلون إلى عبادة العجل فاتخذ العجل . فـ { قَالَ } السامريّ مجيباً لموسى : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } يعني : رأيت ما لم يروا رأيت جبريل عليه السلام على فرس الحياة ، فألقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة ، فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم فلما سألوك أن تجعل لهم إلٰهاً زَيَّنَتْ لي نفسي ذلك . وقال عليّ رضي الله عنه : لما نزل جبريل ليصعد بموسى عليه السلام إلى السماء ، أبصره السامريّ من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس . وقيل قال السامري : رأيت جبريل على الفرس وهي تلقي خطوها مدّ البصر ، فألقي في نفسي أن أقبض من أثرها فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ودم . وقيل : رأى جبريل يوم نزل على رَمَكة وَدِيقٍ ، فتقدم خيل فرعون في ورود البحر . ويقال : إن أم السامريّ جعلته حين وضعته في غارٍ خوفاً من أن يقتله فرعون فجاءه جبريل عليه السلام ، فجعل كفَّ السامريّ في فم السامريّ ، فرضع العسل واللبن فاختلف إليه فعرفه من حينئذٍ . وقد تقدم هذا المعنى في « الأعراف » . ويقال : إن السامريّ سمع كلام موسى عليه السلام ، حيث عمل تمثالين من شمع أحدهما ثور والآخر فرس فألقاهما في النيل طلب قبر يوسف عليه السلام وكان في تابوت من حجر في النيل ، فأتى به الثور على قرنه ، فتكلم السامريّ بذلك الكلام الذي سمعه من موسى ، وألقى القبضة في جوف العجل فخار . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وخلف « بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا » بالتاء على الخطاب . الباقون بالياء على الخبر . وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة « فَقَبصْتُ قبصَةً » بصاد غير معجمة . وروي عن الحسن ضم القاف من « قبصة » والصاد غير معجمة . الباقون { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً } بالضاد المعجمة . والفرق بينهما أن القبض بجميع الكفّ ، والقبص بأطراف الأصابع ، ونحوهما الخَضْم والقَضْم ، والقُبْضة بضم القاف القدر المقبوض ذكره المهدوي . ولم يذكر الجوهري « قُبْصة » بضم القاف والصاد غير معجمة ، وإنما ذكر « القُبْضة » بضم القاف والضاد المعجمة وهو ما قبضت عليه من شيء يقال : أعطاه قُبْضة من سَويق أو تمر أي كفاً منه ، وربما جاء بالفتح . قال : والقِبضُ بكسر القاف والصاد غير المعجمة العدد الكثير من الناس قال الكميت : @ لكم مسجدا اللَّهِ المُزوران والحَصَى لكم قبْصُهُ من بين أَثْرَي وأَقْتَرَى @@ { فَنَبَذْتُهَا } أي طرحتها في العجل . { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أي زينته قاله الأخفش . وقال ابن زيد : حدثتني نفسي . والمعنى متقارب . قوله تعالى : { قَالَ فَٱذْهَبْ } أي قال له موسى فاذهب أي من بيننا { فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } أي لا أُمسّ ولا أَمسّ طول الحياة . فنفاه موسى عن قومه وأمر بني إسرائيل ألاّ يخالطوه ولا يَقربوه ولا يكلّموه عقوبة له والله أعلم . قال الشاعر : @ تَميمٌ كرهط السّامريّ وقوله ألاَ لا يريدُ السامريّ مِساسَا @@ قال الحسن : جعل الله عقوبة السامريّ ألا يماسّ الناس ولا يماسّوه عقوبة له ولمن كان منه إلى يوم القيامة وكأن الله عز وجل شدّد عليه المحنة ، بأن جعله لا يماسّ أحداً ولا يمكّن من أن يمسّه أحد ، وجعل ذلك عقوبة له في الدنيا . ويقال : ابتلي بالوسواس وأصل الوسواس من ذلك الوقت . وقال قتادة : بقاياهم إلى اليوم يقولون ذلك لا مساس وإن مسّ واحد من غيرهم أحدا منهم حُمَّ كلاهما في الوقت . ويقال : إن موسى هَمَّ بقتل السامريّ ، فقال الله تعالى له : لا تقتله فإنه سخيّ . ويقال لما قال له موسى : { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع السباع والوحش ، لا يجد أحداً من الناس يمسه حتى صار كالقائل لا مساس لبعده عن الناس وبعد الناس عنه كما قال الشاعر : @ حَمَّالُ راياتٍ بها قَنَاعِسَا حتى تقولَ الأزدُ لا مسابسَا @@ مسألة : هذه الآية أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وألا يخالطوا ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بكعب بن مالك والثلاثة الذين خُلّفوا . ومن التجأ إلى الحرم وعليه قَتلٌ لا يُقتَل عند بعض الفقهاء ، ولكن لا يعامل ولا يبايع ولا يشارى ، وهو إرهاق إلى الخروج . ومن هذا القبيل التغريب في حدّ الزنى ، وقد تقدم جميع هذا كله في موضعه ، فلا معنى لإعادته . والحمد لله وحده . وقال هارون القارىء : ولغة العرب لا مَساسِ بكسر السين وفتح الميم ، وقد تكلم النحويون فيه فقال سيبويه : هو مبني على الكسر كما يقال اضربِ الرجل . وقال أبو إسحاق : لا مساسِ نفي وكسرت السين لأن الكسرة من علامة التأنيث تقول : فعلتِ يا امرأة . قال النحاس : وسمعت عليّ بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : إذا اعتل الشيء من ثلاث جهات وجب أن يبنى ، وإذا اعتل من جهتين وجب ألا ينصرف لأنه ليس بعد ترك الصرف إلا البناء فمساسِ ودراكِ اعتل من ثلاث جهات : منها أنه معدول ، ومنها أنه مؤنث ، وأنه معرفة فلما وجب البناء فيه وكانت الألف قبل السين ساكنة كسرت السين لالتقاء الساكنين كما تقول : اضرب الرّجلَ . ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن هذا القول خطأ ، وألزم أبا العباس إذا سمى آمرة بفرعون يبنيه ، وهذا لا يقوله أحد . وقال الجوهري في الصحاح : وأما قول العرب لا مَساسِ مثال قَطامِ فإنما بني على الكسر لأنه معدول عن المصدر وهو المسّ . وقرأ أبو حيوة « لا مَسَاسِ » . { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } يعني يوم القيامة . والموعد مصدر أي إن لك وعداً لعذابك . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو « تُخْلِفَهُ » بكسر اللام وله معنيان : أحدهما : ستأتيه ولن تجده مخلّفاً كما تقول : أحمدته أي وجدته محموداً . والثاني : على التهديد أي لا بد لك من أن تصير إليه . الباقون بفتح اللام بمعنى : إن الله لن يخلفك إياه . قوله تعالى : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ } أي دمت وأقمت عليه . { عَاكِفاً } أي ملازماً وأصله ظللت قال : @ خَلاَ أنّ العِتاقَ من المطايا أَحَسْنَ به فهنّ إليه شُوسُ @@ أي أَحْسَسْن . وكذلك قرأ الأعمش بلامين على الأصل . وفي قراءة ابن مسعود « ظِلْتَ » بكسر الظاء . يقال : ظَللت أفعل كذا إذا فعلته نهاراً وظَلْت وظِلْت فمن قال : ظَلْت حذف اللام الأولى تخفيفاً ومن قال : ظِلْت ألقى حركة اللام على الظاء . و { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } قراءة العامة بضم النون وشد الراء من حَّرق يحرِّق . وقرأ الحسن وغيره بضم النون وسكون الحاء وتخفيف الراء ، من أحرقه يُحرقه . وقرأ عليّ وابن عباس وأبو جعفر وابن محيصن وأشهب العقيلي « لَنَحْرُقَنَّهُ » بفتح النون وضم الراء خفيفة ، من حرقت الشيء أحرقه حرقاً بَردَته وحككت بعضه ببعض ، ومنه قولهم : حَرَق نابَه يَحرِقه ويَحرُقه أي سحقه حتى سُمع له صَرِيف فمعنى هذه القراءة لنبردنّه بالمبارد ، ويقال للمِبرد المِحْرَق . والقراءتان الأوليان معناهما الحرق بالنار . وقد يمكن جمع ذلك فيه قال السدي : ذبح العجل فسال منه كما يسيل من العجل إذا ذبح ، ثم بَرَد عظامه بالمِبرد وحَرَقه . وفي حرف ابن مسعود « لنذبحنه ثم لنحرقنه » واللحم والدم إذا أحرقا صارا رماداً فيمكن تذريته في اليمّ فأما الذهب فلا يصير رماداً . وقيل : عرف موسى ما صير به الذهب رماداً ، وكان ذلك من آياته . ومعنى { لَنَنسِفَنَّهُ } لنطيّرنه . وقرأ أبو رجاء « لَنَنْسُفَنَّهُ » بضم السين لغتان ، والنّسف نفض الشيء ليذهب به الريح وهو التذرية ، والمِنْسف ما يُنسف به الطعام وهو شيء متصوِّب الصدر أعلاه مرتفع ، والنُّسَافة ما يسقط منه يقال : اعزل النُّسَافة وكُلْ الخالص . ويقال : أتانا فلان كأنّ لحيته مِنْسف حكاه أبو نصر أحمد بن حاتم . والمِنْسفة آلةُ يقلع بها البناء . ونسفتُ البناء نسفاً قلعته ، ونَسفَ البعيرُ الكَلأَ يَنْسِفه بالكسر إذا اقتلعه بأصله ، وانتسفت الشيء اقتلعته عن أبي زيد . قوله تعالى : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } لا العِجْل أي وسع كل شيء عِلْمه يفعل الفعل عن العلم ونصب على التفسير . وقرأ مجاهد وقتادة « وَسَّعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً » .