Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 11-15)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } يريد مدائن كانت باليمن . وقال أهل التفسير والأخبار : إنه أراد أهل حَضُور وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مَهْدَم ، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له : ضنن كثير الثلج ، وليس بشعيب صاحب مدين لأن قصة حَضُور قبل مدة عيسى عليه السلام ، وبعد مئين من السنين من مدة سليمان عليه السلام ، وأنهم قتلوا نبيهم وقتل أصحاب الرَّس في ذلك التاريخ نبياً لهم اسمه حنظلة بن صفوان ، وكانت حَضُور بأرض الحجاز من ناحية الشام ، فأوحى الله إلى أرميا أن ٱيت بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على أرض العرب ، وأني منتقم بك منهم ، وأوحى الله إلى أرميا أن احمل مَعَدّ بن عدنان على البراق إلى أرض العراق كي لا تصيبه النقمة والبلاء معهم ، فإني مستخرج من صلبه نبياً في آخر الزمان اسمه محمد ، فحمل مَعَدّاً وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، فكان مع بني إسرائيل إلى أن كبر وتزوّج امرأة اسمها معانة ثم إن بختنصر نهض بالجيوش ، وكمن للعرب في مكان وهو أوّل من اتخذ المكامن فيما ذكروا ثم شنّ الغارات على حَضُور فقَتل وسَبَى وخَرّب العامر ، ولم يترك بحَضُور أثراً ، ثم انصرف راجعاً إلى السواد . و « كَمْ » في موضع نصب بـ « ـقصمنا » . والقَصْم الكسر يقال : قَصمتُ ظهر فلان وانقصمت سنّه إذا انكسرت ، والمعنيّ به هاهنا الإهلاك . وأما الفَصْم بالفاء فهو الصدع في الشيء من غير بينونة قال الشاعر : @ كأنّهُ دُمْلُجٌ من فِضَّةٍ نَبَهٌ في مَلْعَبٍ من عَذَارَى الحيِّ مَفْصُومُ @@ ومنه الحديث : " فيُفْصِم عنه وإن جبينه ليتفصَّد عَرَقاً " وقوله : { كَانَتْ ظَالِمَةً } أي كافرة يعني أهلها . والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وهم وضعوا الكفر موضع الإيمان . { وَأَنشَأْنَا } أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاكهم { قَوْماً آخَرِينَ } . { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ } أي رأوا عذابنا يقال : أحسست منه ضعفاً . وقال الأخفش : « أحسّوا » خافوا وتوقعوا . { إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي يهربون ويفرّون . والركض العدو بشدة الوطء . والركض تحريك الرِّجل ومنه قوله تعالى : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } [ صۤ : 42 ] وركضت الفرس برجلي استحثته ليعدو ثم كثر حتى قيل رَكَض الفرسُ إذا عَدَا وليس بالأصل ، والصواب رُكِض الفرسُ على ما لم يسمّ فاعله فهو مركوض . { لاَ تَرْكُضُواْ } أي لا تفرّوا . وقيل : إن الملائكة نادتهم لما انهزموا استهزاء بهم وقالت : « لا تركضوا » . { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم ، والمترف المتنعم يقال : أُترف على فلان أي وُسّع عليه في معاشه . وإنما أترفهم الله عز وجل كما قال : { وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا } [ المؤمنون : 33 ] . { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي لعلكم تُسألون شيئاً من دنياكم استهزاء بهم قاله قتادة . وقيل : المعنى « لَعَلَّكُمْ » عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به . وقيل : المعنى { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول البأس بكم قيل لهم ذلك استهزاء وتقريعاً وتوبيخاً . { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ } لما قالت لهم الملائكة : « لا تركضوا » ونادت يا لثارات الأنبياء ! ولم يروا شخصاً يكلمهم عرفوا أن الله عز وجل هو الذي سلط عليهم عدوهم بقتلهم النبي الذي بعث فيهم ، فعند ذلك قالوا : { يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } فاعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف . { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } أي لم يزالوا يقولون : { يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } . { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً } أي بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل قاله مجاهد . وقال الحسن : أي بالعذاب . { خَامِدِينَ } أي ميتين . والخمود الهمود كخمود النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار ، كما يقال لمن مات قد طفىء تشبيهاً بانطفاء النار .