Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 12-14)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } الإنسان هنا آدم عليه الصلاة والسلام قاله قتادة وغيره ، لأنه استُلّ من الطين . ويجيء الضمير في قوله : « ثم جعلناه » عائداً على ابن آدم ، وإن كان لم يُذكر لشهرة الأمر فإن المعنى لا يصلح إلا له . نظير ذلك { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ صۤ : 32 ] . وقيل : المراد بالسلالة ابن آدم قاله ابن عباس وغيره . والسلالة على هذا صفوة الماء ، يعني المنيّ . والسلالة فُعالة من السَّل وهو استخراج الشيء من الشيء يقال : سللت الشعر من العجين ، والسيف من الغِمد فانسل ومنه قوله : @ فُسلِّـي ثيـابـي مـن ثيـابـك تَـنْـسُـلِ @@ فالنطفة سُلالة ، والولد سَليل وسُلاَلة عنى به الماء يُسَلّ من الظهر سَلاًّ . قال الشاعر : @ فجاءت به عَضْبَ الأدِيم غَضنْفَراً سلالةَ فَرْج كان غيرَ حصِين @@ وقال آخر : @ وما هِنْدُ إلاّ مُهْرَةٌ عربِيّة سليلةُ أفراسٍ تجلّلها بَغْل @@ وقوله : « من طين » أي أن الأصل آدم وهو من طين . قلت : أي من طين خالص فأما ولده فهو من طين ومنِيّ ، حسبما بيناه في أول سورة الأنعام . وقال الكَلْبِيّ : السلالة الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك فالذي يخرج هو السُّلالة . الثانية : قوله تعالى : { نُطْفَةً } قد مضى القول في النُّطْفة والعَلَقة والمُضْغة وما في ذلك من الأحكام في أول الحج ، والحمد لله على ذلك . الثالثة : قوله تعالى : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } اختلف الناس في الخلق الآخر فقال ابن عباس والشَّعْبِيّ وأبو العالية والضحاك وابن زيد : هو نفخ الروح فيه بعد أن كان جماداً . وعن ابن عباس : خروجه إلى الدنيا . وقال قتادة عن فرقة : نبات شعره . الضحاك : خروج الأسنان ونباتُ الشعر . مجاهد : كمال شبابه وروي عن ابن عمر . والصحيح أنه عام في هذا وفي غيره من النطق والإدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولات إلى أن يموت . الرابعة : قوله تعالى : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله : { خَلْقاً آخَرَ } قال فتبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هكذا أنزلت » . وفي مسند الطَّيَالِسِيّ : ونزلت { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } الآية فلما نزلت قلت أنا : تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } . ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جَبَل . وروي أن قائل ذلك عبد الله بن أبي سَرْح ، وبهذا السبب ارتد وقال آتي بمثل ما يأتي محمد وفيه نزل { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 93 ] على ما تقدم بيانه في « الأنعام » . وقوله تعالى « تبارك » تفاعل من البركة . { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أتقن الصانعين . يقال لمن صنع شيئاً خَلَقه ومنه قول الشاعر : @ ولأنت تَفْرِي ما خلقتَ وبعـ ـضُ القوم يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي @@ وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس وإنما يضاف الخلق إلى الله تعالى . وقال ابن جُريج : إنما قال : « أحسن الخالقين » لأنه تعالى قد أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق واضطرب بعضهم في ذلك . ولا تُنْفَى اللفظة عن البشر في معنى الصنع وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم . الخامسة : من هذه الآية قال ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا : الله أعلم فقال عمر : ما تقول يا ابن عباس ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق السموات سبعاً والأَرضِين سبعاً ، وخلق ابن آدم من سبع وجعل رزقه في سبع ، فأراها في ليلة سبع وعشرين . فقال عمر رضي الله عنه : أعجزكم أن تأتوا بمثل ما أتى هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه . وهذا الحديث بطوله في مسند ابن أبي شيبة . فأراد ابن عباس « خلق ابن آدم من سبع » بهذه الآية ، وبقوله : « وجعل رزقه في سبع » قوله : { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } [ عبس : 27 31 ] الآية . السبع منها لابن آدم ، والأَبُّ للأنعام . والقَضْبُ يأكله ابن آدم ويَسْمَن منه النساء هذا قول . وقيل : القَضْب البقول لأنها تُقْضَبُ فهي رزق ابنِ آدم . وقيل : القَضْب والأبّ للأنعام ، والستُّ الباقية لابن آدم ، والسابعةُ هي الأنعام إذ هي من أعظم رزق ابن آدم .