Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 30-30)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وصل تعالى بذكر السّتر ما يتعلّق به من أمر النظر يقال : غضّ بصره يَغُضّه غضًّا قال الشاعر : @ فغُضّ الطَّرْف إنك من نُمَيرٍ فلا كَعْباً بلَغْتَ ولا كِلاباً @@ وقال عَنْتَرة : @ وأغض طرفي ما بدت لِيَ جارتِي حتى يُوارِي جارتِي مأواهَا @@ ولم يذكر الله تعالى ما يُغَض البصر عنه ويحفظ الفرج ، غير أن ذلك معلوم بالعادة ، وأن المراد منه المحرّم دون المحلّل . وفي البخاري : « وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك يقول الله تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } وقال قتادة : عما لا يحلّ لهم { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } خائنة الأعْيُن [ من ] النظر إلى ما نُهِيَ عنه » . الثانية : قوله تعالى : { مِنْ أَبْصَارِهِمْ } « من » زائدة كقوله : { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 74 ] . وقيل : « من » للتبعيض لأن من النظر ما يباح . وقيل : الغض النقصان يقال : غض فلان من فلان أي وضع منه فالبصر إذا لم يمكَّن من عمله فهو موضوع منه ومنقوص . فـ « ـمِن » من صلة للغض ، وليست للتبعيض ولا للزيادة . الثالثة : البصر هو الباب الأكبر إلى القلب ، وأعْمَرُ طرق الحواس إليه ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته . ووجب التحذير منه ، وغضُّه واجب عن جميع المحرّمات وكلّ ما يخشى الفتنة من أجله وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوسَ على الطُّرُقات » فقالوا : يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدّث فيها . فقال : « فإذا أبَيْتُم إلا المجلس فأعطُوا الطريقَ حقّه » قالوا : وما حقُّ الطريق يا رسول الله ؟ قال : « غَضُّ البصر وكفّ الأذى وردُّ السلام والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر " رواه أبو سعيد الخُدْريّ ، خرّجه البخاريّ ومسلم . وقال صلى الله عليه وسلم لعليّ : " لا تُتبع النظرة النظرة فإنما لك الأُولى وليست لك الثانية " وروى الأوزاعِيّ قال : حدّثني هارون بن رِئاب أن غَزْوان وأبا موسى الأشعريّ كانا في بعض مَغازِيهم ، فكشفت جارية فنظر إليها غَزْوان ، فرفع يده فلطم عينه حتى نَفَرَت ، فقال : إنك للحّاظة إلى ما يضرك ولا ينفعك فلقِيَ أبا موسى فسأله فقال : ظلمتَ عينك ، فاستغفر الله وتُب ، فإن لها أوّل نظرة وعليها ما كان بعد ذلك . قال الأوزاعي : وكان غَزْوان ملك نفسه فلم يضحك حتى مات رضي الله عنه . وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفُجَاءة فأمرني أن أصرف بصري . وهذا يقوّي قول من يقول : إن « من » للتبعيض لأن النظرة الأولى لا تُمْلَك فلا تدخل تحت خطاب تكليف ، إذ وقوعها لا يتأتّى أن يكون مقصوداً ، فلا تكون مكتسبة فلا يكون مكلفاً بها فوجب التبعيض لذلك ، ولم يقل ذلك في الفرج لأنها تُمْلك . ولقد كره الشعبِيّ أن يُديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته وزمانُه خير من زماننا هذا وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذاتٍ محرّمة نظر شهوة يردّدها . الرابعة : قوله تعالى : { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } أي يستروها عن أن يراها من لا يحلّ . وقيل : « ويحفظوا فروجهم » أي عن الزنى وعلى هذا القول لو قال : « من فروجهم » لجاز . والصحيح أن الجميع مراد واللفظ عام . " وروى بَهْز بن حكيم بن معاوية القُشَيْرِيّ عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : « احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يَمينك » . قال : الرجل يكون مع الرجل ؟ قال : « إن استطعت ألا يراها فافعل » . قلت : الرجل يكون خالياً ؟ فقال : « الله أحقُّ أن يُستحيا منه من الناس » " وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالَها معه فقالت : ما رأيت ذلك منه ، ولا رأى ذلك مني . الخامسة : بهذه الآية حرّم العلماء نصًّا دخول الحمام بغير مِئزر . وقد روي عن ابن عمر أنه قال : أطْيَب ما أنفق الرجل درهم يعطيه للحمام في خلوة . وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو مُحرِم بالجحفة . فدخوله جائز للرجال بالمآزر ، وكذلك النساء للضرورة كغسلهن من الحيض أو النفاس أو مرض يلحقهن والأوْلَى بهن والأفضلُ لهن غسلهن إن أمكن ذلك في بيوتهن ، فقد روى أحمد بن مَنيع حدّثنا الحسن بن موسى حدّثنا ابن لَهِيعة حدّثنا زَبّان " عن سهل بن معاذ عن أبيه عن أم الدَّرْداء أنه سمعها تقول : لقِيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرجت من الحمام فقال : « من أين يا أمّ الدرداء ؟ » فقالت من الحمام فقال : « والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمّهاتها إلا وهي هاتكة كلّ ستر بينها وبين الرحمن عز وجل » " وخرّج أبو بكر البزّار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احذروا بيتاً يقال له الحمام » . قالوا : يا رسول الله ، ينقي الوسخ ؟ قال : « فاستتروا " قال أبو محمد عبد الحق : هذا أصح إسناد حديث في هذا الباب على أن الناس يرسلونه عن طاوس ، وأما ما خرّجه أبو داود في هذا من الحظر والإباحة فلا يصح منه شيء لضعف الأسانيد وكذلك ما خرّجه الترمذي . قلت : أما دخول الحمام في هذه الأزمان فحرام على أهل الفضل والدِّين لغلبة الجهل على الناس واستسهالهم إذا توسّطوا الحمام رموا مآزرهم ، حتى يُرَى الرجل البَهِيّ ذو الشيبة قائماً منتصباً وسط الحمام وخارجه بادِياً عن عورته ضامًّا بين فخذيه ولا أحد يغيّر عليه . هذا أمر بين الرجال فكيف من النساء ! لا سيّما بالديار المصرية إذ حماماتهم خالية عن المطاهر التي هي عن أعين الناس سواتر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ! . السادسة : قال العلماء : فإن استتر فليدخل بعشرة شروط : الأوّل : ألاّ يدخل إلا بنيّة التداوي أو بنيّة التطهير عن الرُّحَضاء . الثاني : أن يعتمد أوقات الخلوة أو قلّة الناس . الثالث : أن يستر عورته بإزار صَفيق . الرابع : أن يكون نظره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور . الخامس : أن يُغيّر ما يرى من منكر برفق ، يقول : استتر سترك الله ! السادس : إن دلّكه أحد لا يمكّنه من عورته ، من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته . وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا . السابع : أن يدخله بأجرة معلومة بشرطٍ أو بعادة الناس . الثامن : أن يصبّ الماء على قدر الحاجة . التاسع : إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه . العاشر : أن يتذكر به جهنم . فإن لم يمكنه ذلك كله فليستتر وليجتهد في غضّ البصر . ذكر الترمذِيّ أبو عبد الله في نوادر الأصول من حديث طاوس عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا بيتاً يقال له الحمام » . قيل : يا رسول الله ، إنه يذهب به الوسخ ويذكّر النار فقال : « إن كنتم لا بُدّ فاعلين فادخلوه مستترين " وخرّج من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نِعم البيت يدخله الرجل المسلم بيتُ الحمام وذلك لأنه إذا دخله سأل الله الجنة واستعاذ به من النار وبئس البيتُ يدخله الرجل بيتُ العروس " وذلك لأنه يرغّبه في الدنيا وينسيه الآخرة . قال أبو عبد الله : فهذا لأهل الغفلة ، صيّر الله هذه الدنيا بما فيها سبباً للذّكر لأهل الغفلة ليذكروا بها آخرتهم فأما أهل اليقين فقد صارت الآخرة نصُب أعينهم فلا بيت حمّام يزعجه ولا بيت عروس يستفزه ، لقد دَقّت الدنيا بما فيها من الصنفين والضربين في جنب الآخرة ، حتى أن جميع نعيم الدنيا في أعينهم كُنثارة الطعام من مائدة عظيمة ، وجميع شدائد الدنيا في أعينهم كقتلة عوقب بها مجرم أو مسيء قد كان استوجب القتل أو الصلب من جميع عقوبات أهل الدنيا . السابعة : قوله تعالى : { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } أي غضُّ البصر وحفظ الفرج أطهر في الدين وأبعد من دنس الأنام . { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ } أي عالم . { بِمَا يَصْنَعُونَ } تهديد ووعيد .