Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 32-32)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه سبع مسائل : الأولى : هذه المخاطبة تدخل في باب السّتر والصلاح أي زوّجوا من لا زوج له منكم فإنه طريق التعفّف والخطاب للأولياء . وقيل للأزواج . والصحيح الأوّل إذ لو أراد الأزواجَ لقال « وانكحوا » بغير همز ، وكانت الألف للوصل . وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تُنكح نفسها بغير وَلِيّ وهو قول أكثر العلماء . وقال أبو حنيفة : إذا زوّجت الثيّبُ أو البكر نفسها بغير وَلِيّ كُفْأً لها جاز . وقد مضى هذا في « البقرة » مستوفًى . الثانية : اختلف العلماء في هذا الأمر على ثلاثة أقوال فقال علماؤنا : يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العَنت ، ومن عدم صبره ، ومن قوّته على الصبر وزوال خشية العَنَت عنه . وإذا خاف الهلاك في الدِّين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حَتْمٌ . وإن لم يخش شيئاً وكانت الحال مطلقة فقال الشافعيّ : النكاح مباح . وقال مالك وأبو حنيفة هو مستحب . تعلّق الشافعِيّ بأنه قضاء لذةٍ فكان مباحاً كالأكل والشرب . وتعلّق علماؤنا بالحديث الصحيح : " من رَغِب عن سُنّتِي فليس منّي " . الثالثة : قوله تعالى : { ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } أي الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء واحدهم أَيِّم . قال أبو عمرو : أيامى مقلوب أيايم . واتفق أهل اللغة على أن الأيّم في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها ، بكراً كانت أو ثيِّباً حكى ذلك أبو عمرو والكسائي وغيرهما . تقول العرب : تأيّمت المرأة إذا أقامت لا تتزوّج . وفي حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أنا وامرأةٌ سَفْعاء الخدّين تأيّمت على ولدها الصّغار حتى يبلغوا أو يغنيهم الله من فضله كهاتين في الجنة " وقال الشاعر : @ فإن تَنْكِحي أنْكِح وإن تَتَأَيّمِي وإن كنتُ أَفْتَى منكمُ أتأيّمُ @@ ويقال : أَيِّم بيّن الأَيْمة . وقد آمَتْ هي ، وإمْت أنا . قال الشاعر : @ لقد إمْتُ حتى لامَنِي كلّ صاحب رجاءً بسَلْمَى أن تَئِيمَ كما إمْتُ @@ قال أبو عبيد : يقال رجل أيِّم وامرأة أيِّم وأكثر ما يكون ذلك في النساء ، وهو كالمستعار في الرجال . وقال أمَيَّة بن أبي الصَّلْت : @ لله دَرُّ بَـنِـي عَـلِـ ـي أيَّـمٍ منـهـم ونـاكـحُ @@ وقال قوم : هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى : { وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النور : 3 ] ، وقد بيّناه في أوّل السورة والحمد لله . الرابعة : المقصود من قوله تعالى : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } الحرائرُ والأحرار ثم بيّن حكم المماليك فقال : { وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } . وقرأ الحسن « والصالحين من عبيدكم » ، وعَبيد اسم للجمع . قال الفراء : ويجوز « وإماءَكم » بالنصب ، يردّه على « الصالحين » يعني الذكور والإناث والصلاح الإيمان . وقيل : المعنى ينبغي أن تكون الرغبة في تزويج الإماء والعبيد إذا كانوا صالحين فيجوز تزويجهم ، ولكن لا ترغيب فيه ولا استحباب كما قال : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } [ النور : 33 ] . ثم قد تجوز الكتابة وإن لم يُعلم أن في العبد خيراً ، ولكن الخطاب ورد في الترغيب والاستحباب ، وإنما يُستحب كتابة من فيه خير . الخامسة : أكثر العلماء على أن للسيّد أن يُكره عبده وأمَته على النكاح وهو قول مالك وأبي حنيفة وغيرهما . قال مالك : ولا يجوز ذلك إذا كان ضرراً . وروي نحوه عن الشافعيّ ، ثم قال : ليس للسيّد أن يكره العبد على النكاح . وقال النَّخَعِيّ : كانوا يكرهون المماليك على النكاح ويغلقون عليهم الأبواب . تمسّك أصحاب الشافعيّ فقالوا : العبد مكلف فلا يجبر على النكاح لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدميّة ، وإنما تتعلق به المملوكية فيما كان حظًّا للسيد من مِلْك الرقبة والمنفعة ، بخلاف الأَمَة فإنه له حق المملوكية في بُضْعها ليستوفيه فأما بُضْع العبد فلا حقّ له فيه ، ولأجل ذلك لا تباح السيّدة لعبدها . هذه عمدة أهل خراسان والعراق ، وعمدتهم أيضاً الطلاق ، فإنه يملكه العبد بتملّك عقده . ولعلمائنا النكتة العظمة في أن مالكيّة العبد استغرقتها مالكية السيد ولذلك لا يتزوّج إلا بإذنه بإجماع . والنكاح وبابُه إنما هو من المصالح ، ومصلحة العبد موكولة إلى السيد ، هو يراها ويقيمها للعبد . السادسة : قوله تعالى : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } رجع الكلام إلى الأحرار أي لا تمتنعوا عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . وهذا وَعْدٌ بالغنى للمتزوّجين طلب رضا الله واعتصاماً من معاصيه . وقال ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح وتلا هذه الآية . وقال عمر رضي الله عنه : عَجَبِي ممن لا يطلب الغنى في النكاح ، وقد قال الله تعالى : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . وروي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً . ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة كلّهم حقٌّ على الله عونُه المجاهد في سبيل الله والناكح يريد العفاف والمكاتَب يريد الأداء " أخرجه ابن ماجه في سننه . فإن قيل : فقد نجد الناكح لا يستغني قلنا : لا يلزم أن يكون هذا على الدوام ، بل لو كان في لحظة واحدة لصدقَ الوعد . وقد قيل : يغنيه أي يغني النفس . وفي الصحيح : " ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض إنما الغنى غِنَى النفس " وقد قيل : ليس وعد لا يقع فيه خُلْف بل المعنى أن المال غادٍ ورائح ، فارجوا الغنى . وقيل : المعنى يغنهم الله من فضله إن شاء كقوله تعالى : { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } [ الأنعام : 41 ] ، وقال تعالى : { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ } [ الرعد : 26 ] . وقيل : المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يُغْنِهِمُ الله بالحلال ليتعفّفُوا عن الزنى . السابعة : هذه الآية دليل على تزويج الفقير ، ولا يقول كيف أتزوج وليس لي مال فإن رزقه على الله . وقد زوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم المرأة التي أتته تَهَب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد ، وليس لها بعد ذلك فسخ النكاح بالإعسار لأنها دخلت عليه وإنما يكون ذلك إذا دخلت على اليسار فخرج معسراً ، أو طرأ الإعسار بعد ذلك لأن الجوع لا صبر عليه قاله علماؤنا . وقال النقاش : هذه الآية حجة على من قال : إن القاضي يفرّق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيراً لا يقدر على النفقة لأن الله تعالى قال : { يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ } ولم يقل يفرّق . وهذا انتزاع ضعيف ، وليس هذه الآية حكما فيمن عجز عن النفقة ، وإنما هي وعد بالإغناء لمن تزوّج فقيراً . فأمّا من تزوّج موسِرا وأعسر بالنفقة فإنه يفرّق بينهما قال الله تعالى : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] . ونفحات الله تعالى مأمولة في كل حال موعود بها .