Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 55-55)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قاله مالك . وقيل : إن سبب هذه الآية أن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم شكا جَهْد مكافحة العدوّ ، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم ، وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزلت الآية . وقال أبو العالية : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه ، يدعون إلى الله سرًّا وجهراً ، ثم أمِر بالهجرة إلى المدينة ، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح . فقال رجل : يا رسول الله ، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ؟ فقال عليه السلام : " لا تلبثون إلاّ يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم مُحْتَبِياً ليس عليه حديدة " ونزلت هذه الآية ، وأظهر الله نبيّه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا . قال النحاس : فكان في هذه الآية دلالة على نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعز أنجز ذلك الوعد . قال الضحاك في كتاب النقاش : هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ لأنهم أهل الإيمان وعملوا الصالحات . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بعدي ثلاثون " وإلى هذا القول ذهب ابن العربيّ في أحكامه ، واختاره وقال : قال علماؤنا هذه الآية دليل على خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، وأن الله استخلفهم ورضي أمانتهم ، وكانوا على الدِّين الذي ارتضى لهم ، لأنهم لم يتقدّمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا ، فاستقر الأمر لهم ، وقاموا بسياسة المسلمين ، وذَبُّوا عن حَوْزة الدِّين فنفذ الوعد فيهم ، وإذا لم يكن هذا الوعد لهم نَجَز ، وفيهم نَفَذ ، وعليهم ورَدَ ، ففيمن يكون إذاً ، وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا ، ولا يكون فيما بعده . رضي الله عنهم . وحكى هذا القولَ القُشَيْرِي عن ابن عباس . واحتجُّوا بما رواه سفَيِنة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سَمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون مُلْكاً " قال سفينة : أمسك عليك خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر عشراً ، وخلافة عثمان ثنتي عشرة سنة ، وخلافة عليّ ستًّا . وقال قوم : هذا وعد لجميع الأمة في ملك الأرض كلّها تحت كلمة الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : " زُوِيَتْ لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ مُلْك أمتي ما زُوِيَ لي منها " واختار هذا القول ابن عطية في تفسيره حيث قال : والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور ، واستخلافهم هو أن يملّكهم البلاد ويجعلهم أهلها كالذي جرى في الشأم والعراق وخراسان والمغرب . قال ابن العربي : قلنا لهم هذا وعد عام في النبوّة والخلافة وإقامة الدعوة وعموم الشريعة ، فنفذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حاله حتى في المفتين والقضاة والأئمة ، وليس للخلافة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إلا من تقدّم من الخلفاء . ثم ذكر اعتراضاً وانفصالاً معناه : فإن قيل هذا الأمر لا يصح إلا في أبي بكر وحده ، فأما عمر وعثمان فقُتِلا غِيلَةً ، وعليّ قد نُوزِع في الخلافة . قلنا : ليس في ضمن الأمن السلامةُ من الموت بأيّ وجه كان ، وأما عليّ فلم يكن نزاله في الحرب مُذْهِباً للأمن ، وليس من شرط الأمن رفع الحرب إنما شرطه مِلْك الإنسان لنفسه باختياره ، لا كما كان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة . ثم قال في آخر كلامه : وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين ، وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين فهذا نهاية الأمن والعز . قلت : هذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حتى يُخَصُّوا بها من عموم الآية ، بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين بل وغيرهم . ألا ترى إلى إغزاء قريش المسلمين في أُحُد وغيرها وخاصّة الخَنْدق ، حتى أخبر الله تعالى عن جميعهم فقال : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ * هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } [ الأحزاب : 10 11 ] . ثم إن الله ردّ الكافرين لم ينالوا خيراً ، وأمّن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وهو المراد بقوله : { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } . وقوله : { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني بني إسرائيل ، إذ أهلك الله الجبابرة بمصر ، وأورثهم أرضهم وديارهم فقال : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } [ الأعراف : 137 ] . وهكذا كان الصحابة مستضعفين خائفين ، ثم إن الله تعالى أمّنهم ومكّنهم وملّكهم ، فصح أن الآية عامّة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غير مخصوصة إذ التخصيص لا يكون إلا بخبر ممن يجب له التسليم ، ومن الأصل المعلوم التمسكُ بالعموم . وجاء في معنى تبديل خوفهم بالأمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أصحابه : أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ؟ فقال عليه السلام : " لا تلبثون إلا قليلاً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم مُحْتَبِياً ليس عليه حديدة " وقال صلى الله عليه وسلم : " واللَّهِ لَيُتِمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون " خرّجه مسلم في صحيحه فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم . فالآية معجزة النبوّة لأنها إخبار عما سيكون فكان . قوله تعالى : { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } فيه قولان : أحدهما : يعني أرض مكة لأن المهاجرين سألوا الله تعالى ذلك فوُعِدوا كما وُعِدت بنو إسرائيل قال معناه النقاش . الثاني : بلاد العرب والعجم . قال ابن العربيّ : وهو الصحيح لأن أرض مكة محرّمة على المهاجرين ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لكن البائسُ سعد بن خَوْلة " يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ مات بمكة . وقال في الصحيح أيضاً : " يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً " واللام في { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } جواب قَسَم مُضْمَر لأن الوعد قول ، مجازها : قال الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات والله ليستخلفنّهم في الأرض فيجعلهم ملوكها وسكانها . { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني بني إسرائيل ، أهلك الجبابرة بمصر والشأم وأورثهم أرضهم وديارهم . وقراءة العامة « كما اسْتَخْلَفَ » بفتح التاء واللام لقوله : « وَعَدَ » . وقولِه : « ليَسْتَخْلِفنّهم » . وقرأ عيسى بن عمر وأبو بكر والمفضّل عن عاصم « استُخلِف » بضم التاء وكسر اللام على الفعل المجهول . { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } وهو الإسلام كما قال تعالى : { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] وقد تقدّم . وروى سليم بن عامر عن المِقْداد بن الأسود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما على ظهر الأرض بيت حجر ولا مَدَر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل أمّا بعزهم فيجعلهم من أهلها وأما بذلهم فيدينون بها " ذكره الماوردِي حجة لمن قال : إن المراد بالأرض بلاد العرب والعجم وهو القول الثاني ، على ما تقدم آنفاً . { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } قرأ ابن مُحَيْصِن وابن كثير ويعقوب وأبو بكر بالتخفيف من أبدل ، وهي قراءة الحسن ، واختيار أبي حاتم . الباقون بالتشديد من بدّل ، وهي اختيار أبي عبيد لأنها أكثر ما في القرآن ، قال الله تعالى : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } [ يونس : 64 ] . وقال : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً } [ النحل : 101 ] ونحوه ، وهما لغتان . قال النحاس : وحكى محمد بن الجَهْم عن الفَرّاء قال : قرأ عاصم والأعمش « وليبدّلنّهم » مشددة ، وهذا غلط عن عاصم وقد ذكر بعده غلطاً أشدّ منه ، وهو أنه حكى عن سائر الناس التخفيف . قال النحاس : وزعم أحمد بن يحيـى أن بين التثقيل والتخفيف فرقاً ، وأنه يقال : بدّلته أي غيّرته ، وأبدلته أزلته وجعلت غيره . قال النحاس : وهذا القول صحيح كما تقول : أبدِلْ لي هذا الدرهم ، أي أزله وأعطني غيره . وتقول : قد بدّلت بعدنا ، أي غيّرت غير أنه قد يستعمل أحدهما موضع الآخر والذي ذكره أكثر . وقد مضي هذا في « النساء » والحمد لله ، وذكرنا في سورة « إبراهيم » الدليلَ من السنة على أن بدل معناه إزالة العين فتأمله هناك . وقرىء { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا } [ القلم : 32 ] مخففاً ومثقلاً . { يَعْبُدُونَنِي } هو في موضع الحال أي في حال عبادتهم الله بالإخلاص . ويجوز أن يكون استئنافاً على طريق الثناء عليهم . { لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } فيه أربعة أقوال : أحدها : لا يعبدون إلٰهاً غيري حكاه النقاش . الثاني : لا يراءون بعبادتي أحداً . الثالث : لا يخافون غيري قاله ابن عباس . الرابع : لا يحبّون غيري قاله مجاهد . { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي بهذه النعم . والمراد كفران النعمة لأنه قال تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } والكافر بالله فاسق بعد هذا الإنعام وقبله .