Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 62-62)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } « إنَّمَا » في هذه الآية للحصر المعنى : لا يتمّ ولا يكمل إيمانُ من آمن بالله ورسوله إلا بأن يكون من الرسول سامعاً غير معنّت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع ، ونحو ذلك . وبيّن تعالى في أول السورة أنه أنزل آيات بينات ، وإنما النزول على محمد صلى الله عليه وسلم فختم السورة بتأكيد الأمر في متابعته عليه السلام ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن . الثانية : واختلف في الأمر الجامع ما هو فقيل : المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة ، من إقامة سُنّة في الدِّين ، أو لترهيب عدوّ باجتماعهم وللحروب قال الله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] . فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك . والإمام الذي يُتَرَقَّب إذنه هو إمام الإمْرة ، فلا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه ، فإذا ذهب بإذنه ارتفع عنه الظن السيىء . وقال مَكْحُول والزُّهْرِيّ : الجمعة من الأمر الجامع . وإمام الصلاة ينبغي أن يُستأذن إذا قدّمه إمام الإمرة ، إذا كان يرى المستأذن . قال ابن سيرين : كانوا يستأذنون الإمام على المنبر فلما كثر ذلك قال زياد : من جعل يده على فيه فليخرج دون إذن ، وقد كان هذا بالمدينة حتى أن سهل بن أبي صالح رَعَف يوم الجمعة فاستأذن الإمام . وظاهر الآية يقتضي أن يُستأذن أميرُ الإمْرة الذي هو في مقعد النبوّة ، فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين . فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدِّين للذي هو في مقعد النبوّة . وروي أن هذه الآية نزلت في حفر الخَنْدق حين جاءت قريش وقائدها أبو سيفان ، وغطفان وقائدها عُيَيْنة بن حِصْن فضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الخندق على المدينة ، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة ، فكان المنافقون يتسلّلون لِواذاً من العمل ويعتذرون بأعذار كاذبة . ونحوه روى أشهب وابن عبد الحكم عن مالك ، وكذلك قال محمد بن إسحاق . وقال مقاتل : نزلت في " عمر رضي الله عنه ، استأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوة تَبُوك في الرجعة فأذن له وقال : « انطلق فوالله ما أنت بمنافق » " يريد بذلك أن يُسمع المنافقين . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " إنما استأذن عمر رضي الله عنه في العُمْرة فقال عليه السلام لما أذِن له : « يا أبا حَفْص لا تنسنا في صالح دعائك » " . قلت : والصحيح الأوّل لتناوله جميع الأقوال . واختار ابن العربيّ ما ذكره في نزول الآية عن مالك وابن إسحاق ، وأن ذلك مخصوص في الحرب . قال : والذي يبين ذلك أمران : أحدهما : قوله في الآية الأخرى : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } . وذلك أن المنافقين كانوا يتلوّذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد منهم حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يتبيّن إيمانه . الثاني : قوله : { لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } وأيّ إذن في الحدث والإمام يخطب ، وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه ، وقد قال : { فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } فبيّن بذلك أنه مخصوص في الحرب . قلت : القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى . { فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم بالخيار إن شاء أن يأذَن وإن شاء منع . وقال قتادة : قوله : « فأذن لمن شئتَ منهم » منسوخة بقوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [ التوبة : 43 ] . { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ } أي لخروجهم عن الجماعة إن علمت لهم عذراً . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .