Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 32-33)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } اختلف في قائل ذلك على قولين : أحدهما : أنهم كفار قريش قاله ابن عباس . الثاني : أنهم اليهود حين رأوا نزول القرآن مفرقاً قالوا : هلا أنزل عليه جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود . فقال الله تعالى : { كَذَلِكَ } أي فعلنا { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } نقوي به قلبك فتعيه وتحمله لأن الكتب المتقدّمة أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤون ، والقرآن أنزل على نبيّ أميّ ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، ففرقّناه ليكون أوعى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأيسر على العامل به فكان كلما نزل وحي جديد زاده قوّة قلب . قلت : فإن قيل هلا أنزل القرآن دفعة واحدة وحفظه إذا كان ذلك في قدرته ؟ . قيل : في قدرة الله أن يعلمه الكتاب والقرآن في لحظة واحدة ، ولكنه لم يفعل ولا معترض عليه في حكمه ، وقد بيّنا وجه الحكمة في ذلك . وقد قيل : إن قوله { كَذَلِكَ } من كلام المشركين ، أي لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك ، أي كالتوراة والإنجيل ، فيتم الوقف على { كَذَلِكَ } ثم يبتدىء { لِنُثْبِّتَ بِهِ فُوَادَكَ } . ويجوز أن يكون الوقف على قوله : { جُمْلَةً وَاحِدَةً } ثم يبتدىء { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُوَادَكَ } على معنى أنزلناه عليك كذلك متفرّقا لنثبت به فؤادك . قال ابن الأنباري : والوجه الأوّل أجود وأحسن ، والقول الثاني قد جاء به التفسير ، حدّثنا محمد بن عثمان الشيبي قال : حدّثنا مِنجاب قال : حدّثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] قال : أنزل القرآن جملة واحدة من عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء ، فنجمه السفرة الكرام على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل عليه السلام على محمد عشرين سنة . قال : فهو قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] يعني نجوم القرآن { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [ الواقعة : 76 77 ] . قال : فلما لم ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ، قال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة فقال الله تبارك وتعالى : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } يا محمد . { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } يقول : ورسَّلناه ترسيلا يقول : شيئاً بعد شيء . { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } يقول : لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عندك ما تجيب به ، ولكن نمسك عليك فإذا سألوك أجبت . قال النحاس : وكان ذلك من علامات النبوّة لأنهم لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه ، وهذا لا يكون إلا من نبيّ ، فكان ذلك تثبيتاً لفؤاده وأفئدتهم ، ويدلّ على هذا { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } ولو نزل جملة بما فيه من الفرائض لثقل عليهم ، وعِلم الله عز وجل أن الصلاح في إنزاله متفرقاً ، لأنهم ينبهون به مرة بعد مرة ، ولو نزل جملة واحدة لزال معنى التنبيه وفيه ناسخ ومنسوخ ، فكانوا يتعبدون بالشيء إلى وقتٍ بعينه قد علم الله عز وجل فيه الصلاح ، ثم ينزل النسخ بعد ذلك فمحال أن ينزل جملة واحِدة : افعلوا كذا ولا تفعلوا . قال النحاس : والأولى أن يكون التمام { جُمْلَةً وَاحِدَةً } لإنه إذا وقف على { كَذَلِكَ } صار المعنى كالتوراة والإنجيل والزبور ولم يتقدّم لها ذكر . قال الضحاك : { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } أي تفصيلاً . والمعنى : أحسن من مثلهم تفصيلاً فحذف لعلم السامع . وقيل : كان المشركون يستمدّون من أهل الكتاب وكان قد غلب على أهل الكتاب التحريف والتبديل ، فكان ما يأتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم أحسن تفسيراً مما عندهم لأنهم كانوا يخلطون الحق بالباطل ، والحق المحض أحسن من حق مختلط بباطل ، ولهذا قال تعالى : { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } [ البقرة : 42 ] . وقيل : { لاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } كقولهم في صفة عيسى إنه خلق من غير أب { إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ } أي بما فيه نقض حجتهم كآدم إذ خلق من غير أب وأم .