Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 74-77)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال الضحاك : أي مطيعين لك . وفيه جواز الدعاء بالولد وقد تقدّم . والذرّية تكون واحداً وجمعاً . فكونها للواحد قوله : { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [ مريم : 5 ] وكونها للجمع { ذُرِّيَّةً ضِعَافاً } [ النساء : 9 ] وقد مضى في « البقرة » اشتقاقها مستوفى . وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والحسن : { وَذُرِّيَّاتِنَا } وقرأ أبو عمر وحمزة والكسائيّ وطلحة وعيسى : { وذريتِنا } بالإفراد . { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } نصب على المفعول ، أي قرّة أعين لنا . وهذا نحو قوله عليه الصلاة والسلام لأنس : « اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه » وقد تقدّم بيانه في « آل عمران » و « مريم » . وذلك أن الإنسان إذا بورك له في ماله وولده قرّت عينه بأهله وعياله ، حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة أو كانت عنده ذرّية محافظون على الطاعة ، معاونون له على وظائف الدِّين والدنيا ، لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده ، فتسكن عينه عن الملاحظة ، ولا تمتد عينه إلى ما ترى فذلك حين قرّة العين ، وسكون النفس . ووحّد { قُرّة } لأنه مصدر تقول : قرّت عينك قُرّة . وقُرّة العين يحتمل أن تكون من القرار ، ويحتمل أن تكون من القُرّ وهو الأشهر . والقُرّ البرد لأن العرب تتأذى بالحر وتستريح إلى البرد . وأيضاً فإن دمع السرور بارد ، ودمع الحزن سخن ، فمن هذا يقال : أقرّ الله عينك ، وأسخن الله عين العدو . وقال الشاعر : @ فكم سَخِنتْ بالأمس عينٌ قرِيرةٌ وقَرّت عيونٌ دمعُها اليومَ ساكبُ @@ قوله تعالى : { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } أي قدوة يقتدى بنا في الخير ، وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقياً قدوة وهذا هو قصد الداعي . وفي « الموطأ » : « إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم » فكان ابن عمر يقول في دعائه : اللهم اجعلنا من أئمة المتقين . وقال : { إِماماً } ولم يقل أئمة على الجمع لأن الإمام مصدر . يقال : أمّ القوم فلان إماماً مثل الصيام والقيام . وقال بعضهم : أراد أئمة ، كما يقول القائل أميرنا هؤلاء ، يعني أمراءنا . وقال الشاعر : @ يا عاذلاتي لا تَزِدْنَ مَلامَتِي إنّ العواذل لَسْنَ لِي بأميرِ @@ أي أمراء . وكان القشيري أبو القاسم شيخ الصوفية يقول : الإمامة بالدعاء لا بالدعوى ، يعني بتوفيق الله وتيسيره ومنته لا بما يدّعيه كل أحد لنفسه . وقال إبراهيم النَّخعيّ : لم يطلبوا الرياسة بل بأن يكونوا قدوة في الدِّين . وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هدى ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [ السجدة : 24 ] وقال مكحول : اجعلنا أئمة في التقوى يقتدي بنا المتقون . وقيل : هذا من المقلوب مجازه : واجعل المتقين لنا إماماً وقاله مجاهد . والقول الأوّل أظهر وإليه يرجع قول ابن عباس ومكحول ، ويكون فيه دليل على أن طلب الرياسة في الدين ندب . وإمام واحد يدلّ على جمع لأنه مصدر كالقيام . قال الأخفش : الإمام جمع آمّ من أمّ يؤمّ جمع على فِعال ، نحو صاحب وصِحاب ، وقائم وقِيام . قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ } { أُولَئِكَ } خبر { وعِبَادُ الرَّحْمَنِ } في قول الزجاج على ما تقدّم ، وهو أحسن ما قيل فيه . وما تخلل بين المبتدأ وخبره أوصافهم من التحلي والتخلي وهي إحدى عشرة : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف والإقتار ، والنزاهة عن الشرك ، والزنى والقتل ، والتوبة وتجنب الكذب ، والعفو عن المسيء ، وقبول المواعظ ، والابتهال إلى الله . و { الْغُرْفَة } الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا . حكاه ابن شجرة . وقال الضحاك : الغرفة الجنة . { بِمَا صَبَرُوا } أي بصبرهم على أمر ربهم ، وطاعة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام . وقال محمد بن علي بن الحسين : { بِمَا صَبَرُوا } على الفقر والفاقة في الدنيا . وقال الضحاك : { بِمَا صَبَرُوا } عن الشهوات . { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } قرأ أبو بكر والمفضل والأعمش ويحيـى وحمزة والكسائي وخلف : { وَيَلْقَوْنَ } مخففة ، واختاره الفراء قال لأن العرب تقول : فلان يُتلقّى بالسلام وبالتحية وبالخير بالتاء ، وقلما يقولون فلان يُلقّى السلامة . وقرأ الباقون : { وَيُلَقَّوْنَ } واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله تعالى : { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [ الإنسان : 11 ] . قال أبو جعفر النحاس : وما ذهب إليه الفراء واختاره غلط لأنه يزعم أنها لو كانت { يُلَقَّوْنَ } كانت في العربية بتحية وسلام ، وقال كما يقال : فلان يُتلقّى بالسلام وبالخير فمن عجيب ما في هذا الباب أنه قال يتلقى والآية { يُلَقَّوْنَ } والفرق بينهما بيّن : لأنه يقال فلان يتلقى بالخير ولا يجوز حذف الباء ، فكيف يشبه هذا ذاك ! وأعجب من هذا أن في القرآن { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [ الإنسان : 11 ] ولا يجوز أن يقرأ بغيره . وهذا يبيّن أن الأولى على خلاف ما قال . والتحية من الله والسلام من الملائكة . وقيل : التحية البقاء الدائم والملك العظيم والأظهر أنهما بمعنى واحد ، وأنهما من قبل الله تعالى دليله قوله تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [ الأحزاب : 44 ] وسيأتي . { خَالِدِينَ } نصب على الحال { فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } . قوله تعالى : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } هذه آية مشكلة تعلقت بها الملحدة . يقال : ما عبأت بفلان أي ما باليت به أي ما كان له عندي وزن ولا قدر . وأصل يعبأ من العِبء وهو الثقل . وقول الشاعر : @ كأن بصدره وبجانبيه عَبِيراً باتَ يَعْبَؤُهُ عَروسُ @@ أي يجعل بعضه على بعض . فالعبء الحمل الثقيل ، والجمع أعباء . والعبء المصدر . وما استفهامية ظهر في أثناء كلام الزجاج ، وصرح به الفراء . وليس يبعد أن تكون نافية لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفي خرج مخرج الاستفهام كما قال تعالى : { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] قال ابن الشجري : وحقيقة القول عندي أن موضع { ما } نصب والتقدير : أيّ عِبء يعبأ بكم أي أيّ مبالاة يبالي ربي بكم لولا دعاؤكم أي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه ، فالمصدر الذي هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله وهو اختيار الفراء . وفاعله محذوف وجواب لولا محذوف كما حذف في قوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [ الرعد : 31 ] تقديره : لم يعبأ بكم . ودليل هذا القول قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فالخطاب لجميع الناس فكأنه قال لقريش منهم : أي ما يبال الله بكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله . ويؤيد هذا قراءة ابن الزبير وغيره . { فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ } فالخطاب بما يعبأ لجميع الناس ، ثم يقول لقريش : فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون التكذيب هو سبب العذاب لزاماً . وقال النقاش وغيره : المعنى لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك . بيانه : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ } [ العنكبوت : 65 ] ونحو هذا . وقيل : { مَا يَعْبَأُ بِكُمْ } أي بمغفرة ذنوبكم ولا هو عنده عظيم { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } معه الآلهة والشركاء . بيانه : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُم } [ النساء : 147 ] قاله الضحاك . وقال الوليد بن أبي الوليد : بلغني فيها أي ما خلقتكم ولي حاجة إليكم إلا تسألوني فأغفر لكم وأعطيكم . وروى وهب بن مُنبّه أنه كان في التوراة : « يا ابن آدم وعزتي ما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لتربَح عليّ فاتخذني بدلاً من كل شيء فأنا خير لك من كل شيء » . قال ابن جِنِّي : قرأ ابن الزبير وابن عباس : { فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ } . قال الزهراوي والنحاس : هي قراءة ابن مسعود وهي على التفسير للتاء والميم في { كَذَّبْتُمْ } . وذهب القتبي والفارسي إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف ، الأصل لولا دعاؤكم آلهة من دونه وجواب { لَوْلاَ } محذوف تقديره في هذا الوجه : لم يعذبكم . ونظير قوله : لولا دعاؤكم آلهة قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأعراف : 194 ] . { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } أي كذبتم بما دعِيتم إليه هذا على القول الأول وكذبتم بتوحيد الله على الثاني . { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } أي يكون تكذيبكم ملازماً لكم . والمعنى : فسوف يكون جزاء التكذيب كما قال : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [ الكهف : 49 ] أي جزاء ما عملوا وقوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ الأنفال : 35 ] أي جزاء ما كنتم تكفرون . وحسن إضمار التكذيب لتقدّم ذكر فعله لأنك إذا ذكرت الفعل دلّ بلفظه على مصدره ، كما قال : { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [ آل عمران : 110 ] أي لكان الإيمان . وقوله : { وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } أي يرضى الشكر . ومثله كثير . وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا ما نزل بهم يوم بَدْر ، وهو قول عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وأبي مالك ومجاهد ومقاتل وغيرهم . وفي « صحيح مسلم » عن عبد الله : وقد مضت البطشة والدخان واللزام . وسيأتي مبيناً في سورة « الدخان » إن شاء الله تعالى . وقالت فرقة : هو توعد بعذاب الآخرة . وعن ابن مسعود أيضاً : اللزام التكذيب نفسه أي لا يعطون التوبة منه ذكره الزهراوي فدخل في هذا يوم بَدْر وغيره من العذاب الذي يُلزَمونه . وقال أبو عبيدة : لزاماً فيصلاً أي فسوف يكون فيصلا بينكم وبين المؤمنين . والجمهور من القراء على كسر اللام وأنشد أبو عبيدة لصخر : @ فإما يَنْجُوَا من خَسْف أرضٍ فقد لَقِيا حُتُوفَهما لِزاما @@ ولزاما وملازمة واحد . وقال الطبري : { لِزَاماً } يعني عذاباً دائماً لازماً ، وهلاكاً مفنياً يلحق بعضكم ببعض كقول أبي ذؤيب : @ ففاجأه بعاديةٍ لزامٍ كما يَتَفَجَّرُ الحوضُ اللّقِيفُ @@ يعني باللزام الذي يتبع بعضه بعضاً ، وباللقيف المتساقط الحجارة المتهدم . النحاس : وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال : سمعت قَعْنَبا أبا السَّمَّال يقرأ : { لَزَاما } بفتح اللام . قال أبو جعفر : يكون مصدر لزِم والكسر أولى ، يكون مثل قِتال ومقاتلة ، كما أجمعوا على الكسر في قوله عز وجل : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } [ طه : 129 ] . قال غيره : اللِّزام بالكسر مصدر لازم لِزاماً مثل خاصم خصاماً ، واللَّزام بالفتح مصدر لَزِم مثل سَلِم سلاماً أي سلامة فاللَّزام بالفتح اللّزوم ، واللِّزام الملازمة ، والمصدر في القراءتين وقع موقع اسم الفاعل ، فاللزام وقع موقع ملازم ، واللَّزام وقع موقع لازِم . كما قال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً } [ الملك : 30 ] أي غائراً . قال النحاس : وللفراء قول في اسم يكون قال : يكون مجهولاً وهذا غلط لأن المجهول لا يكون خبره إلا جملة ، كما قال تعالى : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } [ يوسف : 90 ] وكما حكى النحويون كان زيد منطلق ويكون المبتدأ وخبره خبر المجهول ، والتقدير : كان الحديث ، فأما أن يقال كان منطلقاً ، ويكون في كان مجهول فلا يجوز عند أحد علمناه . وبالله التوفيق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين .