Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 10-14)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وأبو عمران الجوني وأبو عبيدة : { فَارِغاً } أي خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى . وقال الحسن أيضاً وابن إسحاق وابن زيد : { فَارِغاً } من الوحي إذ أوحي إليها حين أمرت أن تلقيه في البحر { لاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } والعهد الذي عهده إليها أن يردّه ويجعله من المرسلين فقال لها الشيطان : يا أم موسى كرهت أن يقتل فرعون موسى فغرّقتيه أنت ! ثم بلغها أن ولدها وقع في يد فرعون فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها . وقال أبو عبيدة : { فَارِغاً } من الغمّ والحزن لعلمها أنه لم يغرق وقاله الأخفش أيضاً . وقال العلاء بن زياد : { فَارِغاً } نافراً . الكسائي : ناسياً ذاهلاً . وقيل : والهاً رواه سعيد بن جبير . ابن القاسم عن مالك : هو ذهاب العقل والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهشْ ، ونحوه قوله تعالى : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [ إبراهيم : 43 ] أي جُوف لا عقول لها كما تقدّم في سورة « إبراهيم » . وذلك أن القلوب مراكز العقول ألا ترى إلى قوله تعالى : { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } [ الحج : 46 ] ويدل عليها قراءة من قرأ : { فَزِعاً } . النحاس : أصح هذه الأقوال الأول ، والذين قالوه أعلم بكتاب الله عز وجل فإذا كان فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي . وقول أبي عبيدة فارغاً من الغم غلط قبيح لأن بعده { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَبَطْنا عَلَىٰ قَلْبِهَا } . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كادت تقول واابناهٰ وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه ومحمد بن السَّمَيْقَع وأبو العالية وابن محيصن : { فَزِعاً } بالفاء والعين المهملة من الفزع أي خائفة عليه أن يقتل . ابن عباس : « قَرِعاً » بالقاف والراء والعين المهملتين ، وهي راجعة إلى قراءة الجماعة { فَارِغاً } ولذلك قيل للرأس الذي لا شعر عليه : أقرع لفراغه من الشعر . وحكى قطرب أن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ : { فِرْغاً } بالفاء والراء والغين المعجمة من غير ألف ، وهو كقولك : هدراً وباطلاً يقال : دماؤهم بينهم فِرْغ أي هدر والمعنى بطل قلبها وذهب وبقيت لا قلب لها من شدّة ما ورد عليها . وفي قوله تعالى : { وَأَصْبَحَ } وجهان : أحدهما : أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها في النهار فارغاً . الثاني : أنها ألقته نهاراً ومعنى : { أَصْبَحَ } أي صار كما قال الشاعر : @ مضى الخلفاء بالأمر الرشيد وأصبحت المدينة للوليد @@ { إِن كَادَتْ } أي إنها كادت فلما حذفت الكناية سكنت النون . فهي { إِن } المخففة ولذلك دخلت اللام في { لَتُبْدِي بِهِ } أي لتظهر أمره من بدا يبدو إذا ظهر . قال ابن عباس : أي تصيح عند إلقائه : واابناه . السديّ : كادت تقول لما حُمِلت لإرضاعه وحضانته هو ابني . وقيل : إنه لما شَبَّ سمعت الناس يقولون موسى بن فرعون فشق عليها وضاق صدرها ، وكادت تقول هو ابني . وقيل : الهاء في { به } عائدة إلى الوحي تقديره : إن كانت لتبدي بالوحي الذي أوحيناه إليها أن نردّه عليها . والأوّل أظهر . قال ابن مسعود : كادت تقول أنا أمه . وقال الفرّاء : إِن كادت لتبدي بإسمه لضيق صدرها . { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } قال قتادة : بالإيمان . السدّي : بالعصمة . وقيل : بالصبر . والربط على القلب : إلهام الصبر . { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي من المصدّقين بوعد الله حين قال لها : { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } . وقال : { لَتُبْدِي بِهِ } ولم يقل : لتبديه لأن حروف الصفات قد تزاد في الكلام تقول : أخذت الحبل وبالحبل . وقيل : أي لتبدي القول به . قوله تعالى : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي قالت أم موسى لأخت موسى : اتبعي أثره حتى تعلمي خبره . واسمها مريم بنت عمران وافق اسمها اسم مريم أم عيسى عليه السلام ذكره السّهيلي والثّعلبي . وذكر الماورديّ عن الضحاك : أن اسمها كلثمة . وقال السهيلي : كلثوم جاء ذلك في حديث رواه الزبير بن بكّار " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : « أشعرت أن الله زوّجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون » فقالت : الله أخبرك بهذا ؟ فقال : « نعم » فقالت : بالرفاء والبنين " { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } أي بعد قاله مجاهد . ومنه الأجنبي . قال الشاعر : @ فَلاَ تَحْرِمَنِّي نَائِلاً عن جَنَابةٍ فإِنَّي امرؤٌ وسْطَ القِبابِ غَرِيبُ @@ وأصله عن مكان جنب . وقال ابن عباس : { عَنْ جُنُبٍ } أي عن جانب . وقرأ النعمان بن سالم : { عن جانِبٍ } أي عن ناحية . وقيل : عن شوق وحكى أبو عمرو بن العلاء أنها لغة لجذام يقولون : جنبت إليك أي اشتقت . وقيل : { عَنْ جُنُبٍ } أي عن مجانبة لها منه فلم يعرفوا أنها أمه بسبيل . وقال قتادة : جعلت تنظر إليه بناحية كأنها لا تريده ، وكان يقرأ : { عَنْ جَنْبٍ } بفتح الجيم وإسكان النون . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه . قوله تعالى : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } أي منعناه من الارتضاع من قبل أي من قبل مجيء أمه وأخته . و { الْمَراضِعَ } جمع مُرْضِع . ومن قال مراضيع . فهو جمع مِرضاع ، ومفعال يكون للتكثير ، ولا تدخل الهاء فيه فرقاً بين المؤنث والمذكر لأنه ليس بجارٍ على الفعل ، ولكن من قال مِرضاعة جاء بالهاء للمبالغة كما يقال مِطرابة . قال ابن عباس : لا يؤتى بمرضع فيقبلها . وهذا تحريم منع لا تحريم شرع قال امرؤ القيس : @ جَالَتْ لِتصرعَني فقلت لها اقْصِرِي إنّي امرؤٌ صَرْعِي عليكِ حَرَامُ @@ أي ممتنع . فلما رأت أخته ذلك قالت : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } الآية . فقالوا لها عند قولها : { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } وما يدريك ؟ لعلكِ تعرفين أهله ؟ فقالت : لا ولكنهم يحرصون على مَسرّة الملك ، ويرغبون في ظِئْره . وقال السّدي وابن جُرَيج : قيل لها لما قالت : { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } قد عرفتِ أهل هذا الصبي فدلّينا عليهم فقالت : أردت وهم للملك ناصحون . فدلتهم على أم موسى ، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها ، والصبيّ على يد فرعون يعلّله شفقة عليه ، وهو يبكي يطلب الرضاع ، فدفعه إليها فلما وجد الصبيّ ريح أمه قبل ثديها . وقال ابن زيد : استرابوها حين قالت ذلك فقالت : وهم للملك ناصحون . وقيل : إنها لما قالت : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } وكانوا يبالغون في طلب مرضعة يقبل ثديها فقالوا : من هي ؟ فقالت أمي فقيل : لها لبن ؟ قالت : نعم ! لبن هارون وكان ولد في سنة لا يقتل فيها الصبيان فقالوا صدقت والله . { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أي فيهم شفقة ونصح فروي أنه قيل لأم موسى حين ارتضع منها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن ، لا أكاد أوتى بصبيّ إلا ارتضع مني . قال أبو عِمران الجوني : وكان فرعون يعطي أمّ موسى كل يوم ديناراً . قال الزمخشري : فإن قلت كيف حلّ لها أن تأخذ الأجر على إرضاع ولدها ؟ قلت : ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع ، ولكنه مال حربيّ تأخذه على وجه الاستباحة . قوله تعالى : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ } أي رددناه وقد عطَف الله قلب العدوّ عليه ، ووفينا لها بالوعد . { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } أي بولدها . { وَلاَ تَحْزَنَ } أي بفراق ولدها . { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي لتعلم وقوعه فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني أكثر آل فرعون لا يعلمون أي كانوا في غفلة عن التقدير وسِر القضاء وقيل : أي أكثر الناس لا يعلمون أن وعد الله في كل ما وعد حق . قوله تعالى : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } قد مضى الكلام في الأشد في « الأنعام » . وقول ربيعة ومالك أنه الحُلُم أولى ما قيل فيه لقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } [ النساء : 6 ] فإن ذلك أوّل الأشد ، وأقصاه أربع وثلاثون سنة وهو قول سفيان الثوري . و { اسْتَوَى } قال ابن عباس : بلغ أربعين سنة . والحكم : الحكمة قبل النبوّة . وقيل : الفقه في الدين . وقد مضى بيانها في « البقرة » وغيرها . والعلم الفهم في قول السدي . وقيل : النبوّة . وقال مجاهد : الفقه . محمد ابن إسحاق : أي العلم بما في دينه ودين آبائه وكان له تسعة من بني إسرائيل يسمعون منه ، ويقتدون به ، ويجتمعون إليه ، وكان هذا قبل النبّوة . { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي كما جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله ، وألقت ولدها في البحر ، وصدّقت بوعد الله فرددنا ولدها إليها بالتحف والطرف وهي آمنة ، ثم وهبنا له العقل والحكمة والنبوّة وكذلك نجزي كل محسن .