Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 106-107)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } يعني يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم تكون وجوهُ المؤمنين مبيضّة ووجُوه الكافرين مسْوَدّة . ويقال : إن ذلك عند قراءة الكتاب ، إذا قرأ المؤمن كتابه فرأى في كتابه حسناته ٱستبشر وٱبيَضّ وجهُه ، وإذا قرأ الكافر والمنافق كتابه فرأى فيه سيئاته ٱسودّ وجهه . ويقال : إن ذلك عند الميزان إذا رجحت حسناته ٱبيضّ وجهه ، وإذا رجحت سيئاته ٱسودّ وجهه . ويقال : ذلك عند قوله تعالى : { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يسۤ : 59 ] . ويقال : إذا كان يوم القيامة يُؤْمر كل فريق بأن يجتمع إلى معبوده ، فإذا ٱنتهوا إليه حزِنوا وٱسودّت وجوههم ، فيبقى المؤمنون وأهل الكتاب والمنافقون فيقول الله تعالى للمؤمنين : « من ربكم » ؟ فيقولون : ربنا الله عز وجل . فيقول لهم : « أتعرفونه إذا رأيتموه » . فيقولون : سبحانهٰ إذا اعترف عرفناه . فيرونه كما شاء الله . فيخِرّ المؤمنون سُجَّدا لله تعالى ، فتصير وجوههم مثل الثلج بياضاً ، ويبقى المنافقون وأهل الكتاب لا يقدرون على السجود فيحزنوا وتسودّ وجوههم وذلك قوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } . ويجوز « تِبْيَضّ وتِسْوَدّ » بكسر التائين لأنك تقول : ابيضت ، فتكسر التاء كما تكسر الألف ، وهي لغة تميم وبها قرأ يحيى بن وثاب . وقرأ الزهريّ « يوم تبياض وتسوادّ » ويجوز كسر التاء أيضاً ، ويجوز « يوم يبيض وجوه » بالياء على تذكير الجمع ، ويجوز « أجوه » مثل « أقتت » . وٱبيِضَاض الوجوه إشراقها بالنّعيم . وٱسْوِدادها هو ما يرهقها من العذاب الأليم . الثانية : وٱختلفوا في التعيين فقال ٱبن عباس : تبيضّ وجُوه أهلِ السنّة وتسودّ وجوه أهل البِدعة . قلت : وقول ٱبن عباس هذا رواه مالك بن سليمان الهرويّ أخو غسّان عن مالك بن أنس عن نافع عن ٱبن عمر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قال : « يعني تبيض وجوه أهل السنة وتسودّ وجوه أهل البدعة » " ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب . وقال فيه : منكر من حديث مالك . قال عطاء : تبيض وجوه المهاجرين والأنصار ، وتسودّ وجوه بني قريظة والنضِير . وقال أُبيّ بن كعب : الذين ٱسودّت وجوههم هم الكفار ، وقيل لهم : أكفرتم بعد إيمانكم لإقراركم حين أخْرِجتم من ظهر آدم كالذّرّ . هذا ٱختيار الطبري . الحسن : الآية في المنافقين . قتادة هي في المرتدِّين . عِكرمة : هم قوم من أهل الكتاب كانوا مصدِّقين بأنبيائهم مصدقين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فلما بُعث عليه السلام كفروا به فذلك قوله : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . وهو ٱختيار الزجاج . مالك بن أنس : هي في أهل الأهواء . أبو أمامة الباهِليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " هي في الحرورِية " وفي خبر آخر أنه عليه السلام قال : " هي في القدرية " روى الترمذيّ عن أبي غالب قال : رأى أبو أمامة رؤوساً منصوبة على درج مسجد دمشق ، فقال أبو أمَامة : " كلابُ النار شرُّ قتلى تحت أَدِيم السماء ، خيرُ قتلى من قتلوهـ ثم قرأ { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } " إلى آخر الآية . قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى عدّ سبعاً ما حدثتكموه . قال : هذا حديث حسن . وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى فرطكم على الحوض من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً لَيرِدنّ عليّ أقوام أعرِفهم ويعرِفوني ثم يحال بيني وبينهم " قال أبو حازم فسمعني النُّعمان بن أبي عياش فقال : أهكذا سمعتَ من سهل بن سعد ؟ فقلت نعم . فقال : أشهد على أبي سعيدٍ الخدرِيّ لسمعته وهو يزيد فيها : " فأقول إنهم منِّي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي " وعن أبي هريرة أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرِد عليَّ الحوضَ يوم القيامة رهْطٌ من أصحابي فيُجْلَون عن الحَوْض فأقول يا ربِّ أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ٱرتدّوا على أدبارهم القهقري " والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . فمن بدّل أو غيّر أو ٱبتدَعَ في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذَنْ به الله فهو من المطْرُودين عن الحوض المبتَعِدين منه المسودِّي الوُجُوه ، وأشدّهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على ٱختلاف فِرَقها ، والرَوافِض على تَباين ضلالها ، والمعتزلة على أصناف أهوائها فهؤلاء كلهم مبدِّلون ومبتدِعون ، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم ، والمعلنون بالكبائر المستخِفُّون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزّيْع والأهْواء والبِدَع كلٌّ يُخاف عليهم أن يكونوا عُنُوا بالآية ، والخبر كما بيّنا ، ولا يَخلُد في النار إلا كافر جاحِدٌ ليس في قلبه مثقالُ حبّةِ خرْدلٍ من إيمان . وقد قال ٱبن القاسم : وقد يكون من غير أهل الأهْواء من هو شرٌّ من أهل الأهواء . وكان يقول : تمام الإخلاص تَجنّب المعاصي . الثالثة : قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } في الكلام حذف ، أي فيقال لهم { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } يعني يوم الميثاق حين قالوا بلى . ويقال : هذا لليهود وكانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به . وقال أبو العالية : هذا للمنافقين ، يقال : أكفرتم في السر بعد إقراركم في العلانية . وأجمع أهل العربية على أنه لا بدّ من الفاء في جواب « أما » لأن المعنى في قولك : « أما زيد فمنطلق ، مهما يكن من شيء فزيد منطلق » . وقوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ } هؤلاء أهل طاعة الله عز وجل والوفاءِ بعهده . { فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي في جنته ودار كرامته خالدون باقون . جعلنا الله منهم وجنّبنا طرق البِدَع والضّلالات ، ووفقنا لطريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات . آمين .