Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 13-13)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ } أي علامة . وقال { كان } ولم يقل « كانت » لأن { آية } تأنيثها غير حقيقي . وقيل : ردّها إلى البيان ، أي قد كان لكم بيان فذهب إلى المعنى وترك اللفظ كقول ٱمرىء القيس : @ بَرَهْرَهَةٌ رُؤْدَةٌ رَخْصَةٌ كخُرْعُوبَة الْبَانَةِ المُنْفَطِرْ @@ ولم يقل المنفطرة لأنه ذهب إلى القضيب . وقال الفرّاء : ذكّره لأنه فرّق بينهما بالصفة ، فلما حالت الصفة بين الاسم والفعل ذُكِّر الفعل . وقد مضى هذا المعنى في « البقرة » في قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ } [ البقرة : 180 ] . قوله تعالى { فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } يعني المسلمين والمشركين يوم بدر { فِئَةٌ } قرأ الجمهور « فئة » بالرفع ، بمعنى إحداهما فئة . وقرأ الحسن ومجاهد « فِئةٍ » بالخفض « وأُخْرَى كَافِرةٍ » على البدل . وقرأ ٱبن أبي عبلة بالنصب فيهما . قال أحمد بن يحيى : ويجوز النصب على الحال ، أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة . قال الزجاج : النصب بمعنى أعني . وسمِّيت الجماعة من الناس فئة لأنها يُفَاء إليها ، أي يرجع إليها في وقت الشدّة . وقال الزجاج : الفئة الفرقة ، مأخوذة من فَأَوْتُ رأسَه بالسيف ويقال : فأيته إذا فلقته . ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بَدْر . وٱختلف من المخاطب بها فقيل : يحتمل أن يخاطب بها المؤمنون ، ويحتمل أن يخاطب بها جميع الكفار ، ويحتمل أن يخاطب بها يهود المدينة وبكل ٱحتمال منها قد قال قوم . وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت النفوس وتشجيعها حتى يقدِموا على مثليْهم وأمثالهم كما قد وقع . قوله تعالى : { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } قال أبو عليّ : الرؤية في هذه الآية رؤية عين ولذلك تعدّت إلى مفعول واحد . قال مكيّ والمهدويّ : يدل عليه { رَأْيَ الْعَيْنِ } . وقرأ نافع « تَرَوْنَهُم » بالتاء والباقون بالياء . { مِّثْلَيْهِمْ } نصب على الحال من الهاء والميم في « ترونهم » . والجمهور من الناس على أن الفاعل بترون هم المؤمنون ، والضمير المتصل هو للكفار . وأنكر أبو عمرو أن يقرأ « ترونهم » بالتاء قال : ولو كان كذلك لكان مِثليكم . قال النحاس : وذا لا يلزم ، ولكن يجوز أن يكون مِثلى أصحابكم . قال مكيّ : « تَرَوْنَهُم » بالتاء جرى على الخطاب في { لَكُم } فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين ، والهاء والميم للمشركين . وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف ، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [ يونس : 22 ] ، وقوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } [ الروم : 39 ] فخاطب ثم قال : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] فرجع إلى الغيبة . فالهاء والميم في { مِثْلَيْهِم } يحتمل أن يكون للمشركين ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثليْ ما هم عليه من العدد وهو بعيد في المعنى لأن الله تعالى لم يُكْثر المشركين في أعين المسلمين بل أعلمنا أنه قلَّلَهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مِثليْكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلَّلَ الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مِثَليْ عِدّتهم لتقوى أنفُسهم ويقع التجاسُر ، وقد كانوا أُعلِموا أنّ المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، وقلّل المسلمين في أعين المشركين ليجْتَرئوا عليهم فينْفُذ حكم الله فيهم . ويحتمل أن يكون الضمير في { مِثليْهِم } للمسلمين ، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مِثليْ ما أنتم عليه من العدد ، أي ترون أنفسكم مثليْ عددكم فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين . والتأويل الأوّل أولى يدل عليه قوله تعالى : { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } [ الأنفال : 43 ] وقوله : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً } [ الأنفال : 44 ] . وروى عن ٱبن مسعود أنه قال : قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أظنهم مائة . فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفاً . وحكى الطبريّ عن قوم أنهم قالوا : بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضِعفيْهم . وضعَّف الطبري هذا القول . قال ٱبن عطية : وكذلك هو مردود من جهات . بل قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين كما تقدّم . وعلى هذا التأويل كان يكون « ترون » للكافرين ، أي ترون أيها الكافرون المؤمنين مثليهم ، ويحتمل مثليكم ، على ما تقدّم . وزعم الفرّاء أنّ المعنى تروْنَهم مثلَيْهم ثلاثةَ أمثالهم . وهو بعيدٌ غير معروف في اللغة . وقال الزجاج : وهذا باب الغلط ، فيه غلط في جميع المقاييس لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساوياً له ، ونعقِل مثليْه ما يساويه مرتين . قال ٱبن كَيْسان : وقد بين الفرّاء قوله بأن قال : كما تقول وعندك عبدٌ : أحتاج إلى مثله ، فأنت محتاج إليه وإلى مثله . وتقول : أحتاج إلى مثليه ، فأنت محتاج إلى ثلاثة . والمعنى على خلاف ما قال ، واللغةُ . والذي أوقع الفرّاء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر فتوهّم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عِدّتهم ، وهذا بعيد وليس المعنى عليه . وإنما أراهم الله على غير عِدّتهم لجهتين : إحداهما أنه رأى الصلاح في ذلك لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك . والأخرى أنه آية للنبيّ صلى الله عليه وسلم . وسيأتي ذكر وقعة بدر إن شاء الله تعالى . وأمّا قراءة الياء فقال ٱبن كيسان : الهاء والميم في { يرونهم } عائدة على { وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } والهاء والميم في { مثليْهم } عائدة على { فِئَةٌ تُقَاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ } وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام ، وهو قوله : { يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ } . فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مِثْلَي المسلمين في رأي العين وثلاثة أمثالهم في العدد . قال : والرؤية هنا لليهود . وقال مكيّ : الرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله ، والمرئية الفئة الكافرة أي ترى الفئةُ المقاتلة في سبيل الله الفئةَ الكافرة مثْلَي الفئة المؤمنة ، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة فقلّلهم الله فى أعينهم على ما تقدّم . والخطاب في { لكم } لليهود . وقرأ ٱبن عباس وطلحة « تُرَوْنَهم » بِضم التاء ، والسلميّ بالتاء مضمومة على ما لم يسم فاعله . { وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } تقدّم معناه والحمد لله .