Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-18)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى : قال سعيد بن جبير : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فلما نزلت هذه الآية خَرَرْنَ سُجّداً . وقال الكلبيّ : " لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حِبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبيّ الذي يخرج في آخر الزمان ! . فلما دخلا على النبيّ صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت ، فقالا له : أنت محمد ؟ قال « نعم » . قالا : وأنت أحمد ؟ قال : « نعم » . قالا : نسألك عن شهادة ، فإن أنت أخبرتنا بها آمنّا بك وصدّقناك . فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سَلاَني » . فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله . فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } فأسلم الرجلان وصدّقا برسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد قيل : إن المراد بأُولي العلم الأنبياء عليهم السلام . وقال ٱبن كيسان : المهاجرون والأنصار . مقاتِل : مؤمِنوا أهل الكتاب . السدي والكلبيّ : المؤمنون كلهم وهو الأظهر لأنه عام . الثانية : في هذه الآَية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء لقرنهم الله باسمه وٱسم ملائكته كما قرن ٱسم العلماء . وقال في شرف العلم لنبيه صلى الله عليه وسلم { وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً } [ طه : 114 ] فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر يستزيده من العلم . وقال صلى الله عليه وسلم . " إنّ العلماء ورثة الأنبياء " وقال : " العلماء أُمَنَاء الله على خلقه " وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحلُّ لهم في الدّين خطير . وخرّج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث برَكَة بن نَشِيط وهو عَنْكَل بن حكارك وتفسيره بركة بن نشيط وكان حافظا ، حدثنا عمر ٱبن المؤمل حدثنا محمد بن أبي الخصيب حدّثنا محمد بن إسحاق حدّثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العلماء ورثة الأَنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة " وفي هذا الباب حديث عن أبي الدرداء خرّجه أبو داود . الثالثة : روى غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش فكنت أختلف إليه . فلما كان ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام فتهجد من الليل فقرأ بهذه الآَية { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } ، قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهِد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لى عند الله وديعة ، وأن الدين عند الله الإسلام قالها مرارا فغدوت إليه وودّعته ثم قلت : إني سمعتك تقرأ هذه الآية فما بلغك فيها ؟ أنا عندك منذ سنة لم تحدثني به . قال : والله لا حدثتك به سنة . قال : فأقمت وكتبت على بابه ذلك اليوم ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة . قال : حدّثني أبو وائل . عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يُجَاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى عبدي عهِد إلي وأنا أحَقّ من وَفي أدخِلوا عبدي الجنة » . قال أبو الفرج الجوزي : غالب القطّان هو غالب بن خُطّاف القطّان ، يروي عن الأعمش حديث « شهد الله » وهو حديث مُعْضَل . قال ٱبن عدىَّ الضعف على حديثه بيِّن . وقال أحمد بن حنبل : غالب بن خُطّاف القَطّان ثِقةٌ ثقة . وقال ٱبن معين : ثِقة . وقال أبو حاتم : صدوق صالح . قلت : يكفيك من عدالته وثقته أن خرّج له البخاري ومسلم في كتابيهما ، وحسبك ، وروي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " منْ قرأ { شَهِد اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إلَهَ إِلاّ هُوَ والْمَلاَئِكَةُ وأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالقِسطِ لاَ إلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } عند منامه خلق الله له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة " ويقال من أقرّ بهذه الشهادة عن عقْد من قلبه فقد قام بالعدل . وروى عن سعيد بن جبير أنه قال : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً لكل حَيِّ من أحْيَاء العرب صنمٌ أو صنمان . فلما نزلت هذه الآَية أصبحت الأصنام قد خرت ساجدة لله . الرابعة : قوله تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ } أي بَيّن وأعلم كما يقال : شهِد فلان عند القاضي إذا بيّن وأعلم لمن الحقّ ، أو على مِنْ هو . قال الزجاج : الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويَبيَّنه وفقد دّلنا الله تعالى على وحدانيته بما خَلَق وبَيّن . وقال أبو عُبَيْدة : « شهِد الله » بمعنى قضى الله ، أي أعلم . وقال ٱبن عطية : وهذا مردود من جهات . وقرأ الكسائي بفتح « أنّ » في قوله « أنّه لا إله إلاّ هُو » وقوِله « أنّ الدِّينَ » . قال المبرد : التقدير : أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو ، ثم حذفت الباء كما قال : أمرتُك الخيْرَ . أي بالخير . قال الكسائيّ : أنصِبْهما جميعاً ، بمعنى شهد الله أنه كذا ، وأنّ الدين عند الله . قال ٱبن كيسان : « أنّ » الثانية بدل من الأولى لأن الإسلام تفسير المعنى الذي هو التوحيد . وقرأ ٱبن عباس فيما حكى الكسائيّ « شَهِدَ اللَّهُ إنَّهُ » بالكسر « أنّ الدِّين » بالفتح . والتقدير : شهد الله أن الدين الإسلام ، ثم ٱبتدأ فقال : إنه لا إله إلا هو . وقرأ أبو المهلّب وكان قارئا شُهَدَاءَ اللَّهِ بالنصب على الحال ، وعنه « شُهَدَاء الله » . وروى شعبة عن عاصم عن زِرِّ عن أُبَيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ « أن الدين عند الله الحنِيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية » قال أبو بكر الأنباريّ : ولا يخفى على ذي تمييزٍ أن هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التفسير ، أدخله بعض من نقل الحديث في القرآن . و { قَآئِمَاً } نصب على الحال المؤكّدة من ٱسمه تعالى في قوله { شَهِدَ ٱللَّهُ } أو من قوله { إِلاَّ هُوَ } . وقال الفرّاء : هو نصب على القطع ، كان أصله القائم ، فلما قطعت الألف واللام نُصب كقوله : { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [ النحل : 52 ] وفي قراءة عبد الله « القَائِمُ بِالقِسْطِ » على النعت ، والقِسط العدل . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } كرّر لأن الأولى حَلّتْ محلّ الدعوى ، والشهادة الثانية حلّت محل الحكُم . وقال جعفر الصادق : الأولى وصفٌ وتوحيدٌ ، والثانية رَسْمٌ وتعليمٌ يعني قولوا لا إله إلا الله العزيز الحكيم .