Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 33-33)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً } ٱصطفى ٱختار ، وقد تقدّم في البقرة . وتقدّم فيها ٱشتقاق آدم وكنيته ، والتقدير إن الله ٱصطفى دينهم وهو دين الإسلام فحذف المضاف . وقال الزجاج : ٱختارهم للنبوّة على عالمي زمانهم . « ونوحاً » قيل إنه مشتق من ناح ينوح ، وهو ٱسم أعجمِيّ إلا أنه ٱنصرف لأنه على ثلاثة أحرف ، وهو شيخ المرسلين ، وأوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخَوات والعمات والخالات وسائر القرابات ، ومن قال : إن إدْرِيسَ كان قبله من المؤرّخين فقد وَهِم على ما يأتي بيانه في « الأعراف » إن شاء الله تعالى . قوله تعالى : { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } تقدّم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى . وفي البخارِيّ عن ٱبن عباس قال : آل إبراهيم وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد يقول الله تعالى : { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 68 ] وقيل : آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم . وقيل : آل إبراهيم نفسه ، وكذا آل عمران ومنه قوله تعالى : { وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ } [ البقرة : 248 ] . وفي الحديث : " لقد أُعْطِي مِزماراً مِن مزامير آل داود " وقال الشاعر : @ ولا تَبْكِ مَيْتاً بعد ميْتٍ أَحَبّه عليٌّ وعبّاس وآلُ أبي بكر @@ وقال آخر : @ يُلاقِي من تَذَكُّرِ آلِ لَيْلَى كما يَلقَى السّليمُ من العِدَادِ @@ أراد من تذكر ليلى نفسها . وقيل : آل عمران آل إبراهيم كما قال : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } [ آل عمران : 34 ] . وقيل : المراد عيسى ، لأن أمّه ابنة عمران . وقيل : نفسه كما ذكرنا . قال مقاتل : هو عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن يصْهُر بن فاهاث بن لاوى بن يعقوب . وقال الكلبي : هو عمران أبو مريم ، وهو من ولد سليمان عليه السلام . وحكى السهيلي : عمران بن ماتان ، وٱمرأته حَنَّة بالنون . وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضِّهم وقَضِيضهم من نسلهم . ولم ينصرف عِمران لأن في آخره ألفاً ونوناً زائدتين . ومعنى قوله : « عَلَى الْعَالَمِينَ » أي على عالمي زمانهم ، في قول أهل التفسير . وقال الترمذيّ الحكيم أبو عبد الله محمد بن عليّ : جميع الخلق كلهم . وقيل « عَلَى الْعَالَمِينَ » : على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور ، وذلك أن هؤلاء رُسُلٌ وأنبياء فهم صفوة الخلق فأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه حبيب ورحمة . قال الله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] فالرسل خلقوا للرحمة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم خُلق بنفسه رحمةً ، فلذلك صار أماناً للخلق ، لمّا بعثه الله أَمِنَ الخلقُ العذاب إلى نفخة الصور . وسائر الأنبياء لم يحلّوا هذا المحل ولذلك قال عليه السلام : " أنا رحمة مهداة " يخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من الله . وقوله « مهداة » أي هدية من الله للخلق . ويقال : ٱختار آدم بخمسة أشياء : أوّلها أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته ، والثاني أنه علّمه الأسماء كلها ، والثالث أمر الملائكة بأن يسجدوا له ، والرابع أسكنه الجنة ، والخامس جعله أبا البشر . وٱختار نوحاً بخمسة أشياء : أوّلها أنه جعله أبا البشر لأن الناس كلهم غرِقوا وصار ذريته هم الباقين ، والثاني أنه أطال عمره ويقال : طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ، والثالث أنه ٱستجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين ، والرابع أنه حمله على السفينة ، والخامس أنه كان أوّل من نسخ الشرائع وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات . وٱختار إبراهيم بخمسة أشياء : أوّلها أنه جعله أبا الأنبياء لأنه روي أنه خرج من صلبه ألف نبيّ من زمانه إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والثاني أنه ٱتخذه خليلاً ، والثالث أنه أنجاه من النار ، والرابع أنه جعله إماماً للناس ، والخامس أنه ٱبتلاه بالكلمات فوَفّقَه حتى أتمهن . ثم قال : « وَآلَ عِمْرَانَ » فإن كان عمران أبا موسى وهارون فإنما اختارهما على العالمين حيث بعث على قومه المَنّ والسلْوَى وذلك لم يكن لأحد من الأنبياء في العالم . وإن كان أبا مريم فإنه أصطفى له مريم بولادة عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لأحد في العالم . والله أعلم .