Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 3-4)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } يعني القرآن { بِٱلْحَقِّ } أي بالصدق ، وقيل : بالحجة الغالبة . والقرآن نزل نجوماً : شيئاً بعد شيء فلذلك قال { نَزّلَ } والتنزيل مرّة بعد مرّة . والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال { أَنْزَلَ } . والباء في قوله { بِالْحَقِّ } في موضع الحال من الكتاب ، والباء متعلقة بمحذوف ، التقدير آتياً بالحق . ولا تتعلق بـ { نَزَّلَ } ، لأنه قد تعدَى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر ، ولا يتعدّى إلى ثالث . و { مُصَدِّقاً } حال مؤكِّدة غير منتقلة لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدِّق ، أي غير موافق هذا قول الجمهور . وقدّر فيه بعضهم الانتقال ، على معنى أنه مصدِّق لنفسه ومصدِّق لغيره . قوله تعالى : { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني من الكتب المنزَّلة ، والتوراة معناها الضياء والنور مشتقة من وَرَى الزَّنْد ووَرِيَ لغتان إذا خرجت ناره . وأصلها تَوْرَيَةٌ على وزن تَفْعَله ، والتاء زائدة ، تحركت الياء وقبلها فتحة فقُلبت ألفاً . ويجوز أن تكون تَفْعِلة فتنقل الراء من الكسر إلى الفتح كما قالوا في جارِيةٍ : جَارَاة ، وفي ناصيةٍ ناصاة كلاهما عن الفرّاء . وقال الخليل : أصلُها فَوْعَلة فالأصل وَوْرَيةٌ ، قُلِبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تَوْلَج ، والأصل وَوْلَج فَوْعَلٌ من وَلَجَت ، وقلبت الياء ألفا لحركتها وٱنفتاح ما قبلها . وبناء فَوْعَلَةٍ أكثر من تَفْعَلَة ، وقيل : التوراة مأخوذة من التَوْرِيِة ، وهي التعريض بالشيء والكتمان لغيره فكأن أَكثر التوراة معاريضُ وتلويحات من غير تصريح وإيضاح هذا قول المؤَرِّج . والجمهور على القول الأوّل لقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } [ الأنبياء : 48 ] يعني التوراة ، والإنجيل إفْعِيلٌ من النَّجْل وهو الأصل ، ويجمع على أنَاجِيل ، وتوراة على تَوَارٍ فالإنجيل أصلٌ لعلوم وحِكَم . ويقال : لعن الله نَاجِلَيْه ، يعني والديه ، إذْ كانا أصلَه ، وقيل : هو من نَجَلتُ الشيء إذا ٱستَخرجته فالإنجيل مستخرج به علوم وحِكم ومنه سُمّي الولدُ والنَسْل نَجْلاً لخروجه كما قال : @ إلى مَعْشَرٍ لم يُوِرِثِ اللؤمَ جَدُّهم أصاغرَهم وكلُّ فَحْل لهم نَجْلُ @@ والنجل الماء الذي يخرج من النَزِّ . وٱستَنْجَلت الأرضُ ، وبها نِجَالٌ إذا خرج منها الماء ، فسمِّي الإنجيل به لأن الله تعالى أخرج به دَارِساً من الحق عافياً . وقيل : هو من النَّجَل في العين بالتحريك وهو سَعَتُها وطعنة نجلاء ، أي واسعة قال : @ رُبَّما ضَرْبةٍ بسيفٍ صقِيلٍ بين بُصْرَى وطعنةٍ نَجلاء @@ فسمِّيَ الإنجيل بذلك لأنه أصلٌ أخرجه لهم ووسَّعه عليهم ونُوراً وضياء . وقيل : التّنَاجُل التنازُع وسمِّي إنجيلاً ، لتنازُع الناس فيه . وحكى شَمِرٌ عن بعضهم : الإنجيل كلُّ كتاب مكتوب وافر السطور . وقيل نَجَل عَمل وصنَع قال : @ وأنجـلُ فـي ذاك الصنيـع كمـا نَجَـلْ @@ أي أعمل وأصنع . وقيل : التوراة والإنجيل من اللغة السُّرْيانية . وقيل : الإنجيل بالسُّرْيانية إنْكليون حكاه الثعلبي . قال الجوهري : الإنجيل كتاب عيسى عليه السلام يذكَّر ويؤنّث فمن أنّثَ أراد الصحيفة ، ومن ذكر أراد الكتاب . قال غيره وقد يُسَمّى القرآن إنجيلاً أيضاً كما روي في قصة مناجاة موسى عليه السلام أنه قال : « يارب أرى في الألواح أقْواماً أناجِيلُهم في صدورهم فٱجعلهم أُمّتي » . فقال الله تعالى له : تلك أُمة أحمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما أراد بالإنجيل القرآن . وقرأ الحسن : « والأَنْجِيل » بفتح الهمزة ، والباقون بالكسر مثل الإكليل ، لغتان . ويحتمل إن سمع أن يكون مما عرّبته العرب من الأسماء الأعجمية ، ولا مثال له في كلامها . قوله تعالى : { مِن قَبْلُ } يعني القرآن { هُدًى لِّلنَّاسِ } قال ٱبن فورك : التقدير هدى للناس المتقين دليله في البقرة { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] فردّ هذا العامّ إلى ذلك الخاص . و « هدى » في موضع نصب على الحال . و { ٱلْفُرْقَانَ } القرآن . وقد تقدّم .