Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 8-8)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأُولى : قوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } في الكلام حذف تقديره يقولون . وهذا حكاية عن الراسخين . ويجوز أن يكون المعنى قل يا محمد ، ويقال : إزاغة القلب فسادٌ ومَيْل عن الدِّين ، أفكانوا يخافون وقد هُدُوا أن ينقلهم الله إلى الفساد ؟ فالجواب أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله ألاّ يبتليهم بما يثقُل عليهم من الأعمال فَيَعْجِزوا عنه نحو { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } [ النساء : 66 ] قال ٱبن كيسان : سألوا ألا يَزِيغوا فيُزِيغ الله قلوبهم نحو { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] أي ثبِّتنا على هدايتك إذ هديتنا وألا نَزيغ فنستحق أن تُزيغ قلوبنا . وقيل : هو منقطع مما قبلُ وذلك أنه تعالى لما ذكر أهل الزيغ عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في ألا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذُكِرت وهي أهل الزّيْغ . وفي الموطأ عن أبي عبد الله الصنابِحِيّ أنه قال : قدِمتُ المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصليتُ وراءه المغرب ، فقرأ في الركعتين الأُوليين بأُمّ القرآن وسورة من قصار المُفَصَّل ، ثم قام في الثالثة ، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه ، فسمعته يقرأ بأُمّ القرآن وهذه الآية { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا } الآية . قال العلماء : قراءته بهذه الآية ضرْبٌ من القُنوتْ والدعاء لما كان فيه من أمر أهل الردّة . والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم ، وفي كل صلاة أيضاً إذا دهِم المسلمين أمرٌ عظيم يُفزعهم ويخافون منه على أنفسهم . وروى الترمِذِيّ من حديث " شَهْر بن حَوْشَب قال قلت لأُمّ سَلَمة : يا أُمّ المؤمنين ، ما كان أكثَرُ دعاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟ قالت : كان أكثر دعائه « يا مُقَلِّب القلوب ثَبِّتْ قلبي على دِينك » . فقلت : يا رسول الله ، ما أكثر دعاءَك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ! قال : « يا أُمّ سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ » . فتلا معاذ { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْد إذْ هَدَيْتَنَا } " قال : حديث حسن . وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم : إن الله لا يضِل العباد . ولو لم تكن الإزاغة من قِبله لما جاز أن يُدْعَى في دفع ما لا يجوز عليه فعلُه . وقرأ أبو واقد الجرّاح « لا تَزِغْ قُلُوبَنَا » بإسناد الفعل إلى القلوب ، وهذه رغبة إلى الله تعالى . ومعنى الآية على القراءتين ألا يكون منك خلق الزيغ فيها فتزيغ . الثانية : قوله تعالى : { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } أي من عندك ومِن قِبلك تفضلاً لا عن سبب مِنا ولا عمل . وفي هذا ٱستسلام وتطارح . وفي « لَدُنْ » أربع لغات : لَدُن بفتح اللام وضم الدال وجزم النون ، وهي أفصحها وبفتح اللام وضم الدال وحذف النون وبضم اللام وجزم الدال وفتح النون وبفتح اللام وسكون الدال وفتح النون . ولعل جُهّال المتصوِّفة وزنادقة الباطنية يتشبثون بهذه الآية وأمثالها فيقولون : العلم ما وهبه الله ٱبتداء من غير كسب ، والنظرُ في الكتب والأوراق حجابٌ . وهذا مردود على ما يأتي بيانه في هذا الموضع . ومعنى الآية : هب لنا نعيماً صادراً عن الرحمة لأن الرحمة راجعة إلى صفة الذات فلا يتصوّر فيها الهبة . يقال : وَهب يَهَب والأصل يُوهِب بكسر الهاء . ومن قال : الأصل يوهب بفتح الهاء فقد أخطأ لأنه لو كان كما قال لم تحذف الواو ، كما لم تحذف في يَوْجَل . وإنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتح بعد حذفها لأن فيه حرفاً من حروف الحلق .