Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 93-94)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { حِـلاًّ } أي حلالاً ، ثم ٱستثنى فقال : { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } وهو يعقوب عليه السلام . في الترمذيّ عن ٱبن عباس " أن اليهود قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : أخبرنا ، ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : « كان يسكن البدو فاشتكى عِرق النَّسَا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها » " قالوا : صدقت . وذكر الحديث . ويقال : إنه نذر إن برأ منه ليتركن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها . وقال ٱبن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : أقبل يعقوب عليه السلام من حرّان يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عِيصو ، وكان رجلاً بطشاً قوِيّاً ، فلقِيه ملك فظنّ يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه ، فغمز الملك فخذ يعقوب عليه السلام ، ثم صعد الملك إلى السماء ويعقوب ينظر إليه فهاج عليه عِرْق النَّسَا ، ولقِي من ذلك بلاء شديداً ، فكان لا ينام الليل من الوجع ويبيت وله زقَاء أي صياح ، فحلف يعقوب عليه السلام إن شفاه الله جل وعز ألاّ يأكل عِرْقاً ، ولا يأكل طعاماً فيه عِرق فحرّمها على نفسه فجعل بنوه يتبعون بعد ذلك العروق فيخرجونها من اللحم . وكان سبب غمز المَلك ليعقوب أنه كان نذر إن وهب الله له ٱثنى عشر ولداً وأتى بيت المقدس صحيحاً أن يذبح آخرهم . فكان ذلك للمخرج من نذره عن الضحاك . الثانية : وٱختلف هل كان التحريم من يعقوب باجتهاد منه أو بإذن من الله تعالى ؟ والصحيح الأوّل لأن الله تعالى أضاف التحريم إليه بقوله تعالى : { إلاَّ مَا حَرَّم } وأن النبي إذا أدّاه ٱجتهاده إلى شيء كان دِيناً يلزمنا ٱتباعُه لتقرير الله سبحانه إياه على ذلك . وكما يوحى إليه ويلزم ٱتباعه ، كذلك يؤذن له ويجتهد ، ويتعين موجب ٱجتهاده إذا قدر عليه ، ولولا تقدّم الإذن له في تحريم ذلك ما تسوّر على التحليل والتحريم . وقد حرم نبينا صلى الله عليه وسلم العسل على الرواية الصحيحة ، أو خادمه مارية فلم يقرّ الله تحريمه ونزل { لِم تُحَرّمُ مَا أَحَلّ الله لَكَ } على ما يأتي بيانه في « التحريم » . قال الكيا الطبري : فيمكن أن يقال : مطلق قوله تعالى : { لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } [ التحريم : 1 ] يقتضي ألا يختص بمارية وقد رأى الشافعيّ أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى ، فجعلها مخصوصاً بموضع النص ، وأبو حنيفة رأى ذلك أصلاً في تحريم كل مباح وأجراه مجرى اليمين . الثالثة : قوله تعالى : { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } قال ٱبن عباس : لما أصاب يعقوب عليه السلام عِرق النَّسا وصف الأطباء له أن يجتنب لحوم الإبل فحرّمها على نفسه . فقالت اليهود : إنما نحرّم على أنفسنا لحوم الإبل لأن يعقوب حرّمها وأنزل الله تحريمها في التوراة فأنزل الله هذه الآية . قال الضحاك : فكذبهم الله وردّ عليهم فقال : يا محمد { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فلم يأتوا . فقال عز وجل : { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } قال الزجاج : في هذه الآية أعظم دلالة لنبوّة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم ، أخبرهم أنه ليس في كتابهم ، وأمرهم أن يأتوا بالتوراة فأبوا يعني عرفوا أنه قال ذلك بالوحي . وقال عطية العوفى : إنما كان ذلك حراماً عليهم بتحريم يعقوب ذلك عليهم . وذلك أن إسرائيل قال حين أصابه عِرق النسا : والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد ولم يكن ذلك محرّماً عليهم . وقال الكلبي : لم يحرمه الله عز وجل في التوراة عليهم وإنما حرمه بعد التوراة بظلمهم وكفرهم ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنباً عظيماً حرم الله تعالى عليهم طعاماً طيباً ، أو صب عليهم رجزاً وهو الموت فذلك قوله تعالى : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] الآية . وقوله : { وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } الآية إلى قوله : { ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] . الرابعة : ترجم ٱبن ماجه في سننه « دواء عِرق النسا » حدثنا هشام بن عمار وراشد بن سعيد الرملي قالا حدّثنا الوليد بن مسلم حدّثنا هشام بن حسّان حدّثنا أنس بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " شفاء عِرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب ثم تُجَزّأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء " وأخرجه الثعلبيّ في تفسيره أيضاً من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرق النسا : " تؤخذ ألية كبش عربيّ لا صغير ولا كبير فتقطع صغاراً فتخرج إهالته فتقسم ثلاثة أقسام في كل يوم على ريق النفس ثلثاً " قال أنس : فوصفته لأكثر من مائة فبرأ بإذن الله تعالى . شعبة : حدّثني شيخ في زمن الحجاج بن يوسف في عِرق النَّسا : أقسم لك بالله الأعلى لئن لم تنته لأكوينّك بنار أو لأحلقنّك بموسى . قال شعبة : قد جربته ، تقوله ، وتمسح على ذلك الموضع .