Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 14-15)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثماني مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصيّة لقمان . وقيل : إن هذا مما أوصى به لقمان ابنَه أخبر الله به عنه أي قال لقمان لابنه : لا تشرك بالله ولا تطع في الشرك والديك ، فإن الله وصّى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركاً ومعصية لله تعالى . وقيل : أي وإذ قال لقمان لابنه فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه أي قلنا له اشكر لله ، وقلنا له ووصينا الإنسان . وقيل : وإذ قال لقمان لابنه لا تشرك ، ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسناً ، وأمرنا الناس بهذا ، وأمر لقمان به ابنه ذكر هذه الأقوال القشيريّ . والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وَقّاص كما تقدم في « العنكبوت » وعليه جماعة المفسرين . وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان ، وتلزم طاعتهما في المباحات ، ويستحسن في ترك الطاعات الندب ومنه أمر الجهاد الكفاية ، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة على أن هذا أقوى من الندب لكن يعلل بخوف هلكة عليها ، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب . وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال : إن منعته أمّه من شهود العِشاء شفقة فلا يطعها . الثانية : لما خصّ تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب ، وللأب واحدة وأشبه ذلك " قوله صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل : من أَبَرّ ؟ قال : « أمّك » قال : ثم من ؟ قال : « أمك » قال ثم من ؟ قال : « أمك » قال : ثم من ؟ قال : « أبوك » " فجعل له الرّبع من المَبَرَّة كما في هذه الآية وقد مضى هذا كله في « سبحان » . الثالثة : قوله تعالى : { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف . وقيل : المرأة ضعِيفة الخلقة ثم يُضعفها الحمل . وقرأ عيسى الثَّقَفيّ : « وَهَناً على وَهَن » بفتح الهاء فيهما ورويت عن أبي عمرو ، وهما بمعنًى واحد . قال قَعْنَب بن أم صاحب : @ هل للعواذل من ناهٍ فَيزْجُرَها إن العواذل فيها الأَيْن والوَهَن @@ يقال : وَهَن يَهِن ، ووَهُن يَوْهَنُ ووَهِن ، يَهِن مثلُ وَرِمَ يَرِم . وانتصب « وَهْناً » على المصدر ذكره القشيري . النحاس : على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر أي حملته بضعف على ضعف . وقرأ الجمهور : « وَفِصَالُهُ » وقرأ الحسن ويعقوب : « وفَصْله » وهما لغتان ، أي وفصاله في انقضاء عامين والمقصود من الفصال الفطام ، فعبّر بغايته ونهايته . ويقال : انفصل عن كذا أي تميّز وبه سُمِّيَ الفَصِيل . الرابعة : الناس مُجْمِعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات ، وأما في تحريم اللبن فحدّدت فرقة بالعام لا زيادة ولا نقص . وقالت فرقة : العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع . وقالت فرقة : إن فُطم الصبيّ قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرّم وقد مضى هذا في « البقرة » مستوفًى . الخامسة : قوله تعالى : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي } « أَن » في موضع نصب في قول الزجاج ، وأن المعنى : ووصينا الإنسان بوالديه أن اشكر لي . النحاس : وأجود منه أن تكون « أن » مفسرة ، والمعنى : قلنا له أن اشكر لي ولوالديك . قيل : الشكر لله على نعمة الإيمان ، وللوالدين على نعمة التربية . وقال سفيان بن عُيَيْنة : من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما . السادسة : قوله تعالى : { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } قد بينا أن هذه الآية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لمّا أسلم ، وأن أمّه وهي حَمْنة بنت أبي سفيان بن أُمَيَّة حلفت ألاّ تأكل كما تقدم في الآية قبلها . السابعة : قوله تعالى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } نعت لمصدر محذوف أي مصاحباً معروفاً يقال صاحبته مصاحبة ومصاحَباً . و « مَعْرُوفاً » أي ما يحسن . والآية دليلٌ على صلة الأبوين الكافرَيْن بما أمكن من المال إن كانا فقيرين ، وإلاَنة القول والدعاء إلى الإسلام برفق . وقد " قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبيّ عليه الصلاة والسلام وقد قَدِمت عليها خالتها وقيل أمها من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ، إن أميّ قدِمت عليّ وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : « نعم » " وراغبة قيل معناه : عن الإسلام . قال ابن عطية : والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة ، وما كانت لِتقْدم على أسماء لولا حاجتها . ووالدة أسماء هي قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد أسد . وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رُومان قديمة الإسلام . الثامنة : قوله تعالى : { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وصيّة لجميع العالم كأن المأمور الإنسان . و « أَنَابَ » معناه مال ورجع إلى الشيء وهذه سبيل الأنبياء والصالحين . وحكى النقاش أن المأمور سعد ، والذي أناب أبو بكر وقال : إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزّبير فقالوا : آمنت ! قال نعم فنزلت فيه : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } [ الزمر : 9 ] فلمّا سمعها الستة آمنوا فأنزل الله تعالى فيهم : { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ إلى قوله أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } [ الزمر : 17 18 ] . وقيل : الذي أناب النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : ولما أسلم سعد أسلم معه أخواه عامر وعُوَيْمر فلم يبق منهم مشرك إلا عُتبة . ثم توعّد عز وجل بِبَعث مَن في القبور والرجوع إليه للجزاءِ والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها .