Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 16-16)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } أي ترتفع وتَنْبُو عن مواضع الاضطجاع . وهو في موضع نصب على الحال أي متجافية جنوبهم . والمضاجع جمع مضجع وهي مواضع النوم . ويحتمل عن وقت الاضطجاع ، ولكنه مجاز ، والحقيقة أوْلى . ومنه قول عبد الله بن رَوَاحة : @ وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع @@ قال الزّجاج والرُّمانِيّ : التّجافي التنحِّي إلى جهة فوق . وكذلك هو في الصفح عن المخطىء في سَبٍّ ونحوه . والجُنوب جمع جنب . وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان : أحدهما : لذكر الله تعالى ، إمّا في صلاة وإما في غير صلاة قاله ابن عباس والضحاك . الثاني : للصلاة . وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقوال : أحدها : التّنفّل بالليل قاله الجمهور من المفسرين وعليه أكثر الناس ، وهو الذي فيه المدح ، وهو قول مجاهد والأوزاعيّ ومالك بن أنس والحسن بن أبي الحسن وأبي العالية وغيرهم . ويدلّ عليه قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } لأنهم جُوزُوا على ما أخفوا بما خفي . والله أعلم . وسيأتي بيانه . وفي قيام الليل أحاديث كثيرة منها حديث معاذ بن جبل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : " أَلاَ أَدُلُّك على أبواب الخير : الصوم جُنّة ، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار ، وصلاة الرجل من جَوْف الليل قال ثم تلا { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ حتى بلغ يَعْمَلُونَ } " أخرجه أبو داود الطيالسيّ في مسنده والقاضي إسماعيل بن إسحاق وأبو عيسى الترمذيّ ، وقال فيه : حديث حسن صحيح . الثاني : صلاة العشاء التي يقال لها العتمة قاله الحسن وعطاء . وفي الترمذيّ : عن أنس بن مالك أن هذه الآية { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } نزلت في انتظار الصلاة التي تُدْعَى العَتمَة قال : هذا حديث حسن غريب . الثالث : التنفُّل ما بين المغرب والعشاء قاله قتادة وعكرمة . وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } قال : كانوا يتنفَّلون ما بين المغرب والعشاء . الرابع : قال الضحاك : تَجافِي الجُنُب هو أن يصلّي الرجل العشاء والصبح في جماعة . وقاله أبو الدّرداء وعُبادة . قلت : وهذا قول حسن ، وهو يجمع الأقوال بالمعنى ، وذلك أن منتظِر العشاء إلى أن يصليها في صلاة وذكرٍ لله جلّ وعز كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة " وقال أنس : المراد بالآية انتظار صلاة العشاء الآخرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل . قال ابن عطية : وكانت الجاهلية ينامون من أوّل الغروب ومن أيّ وقت شاء الإنسان ، فجاء انتظار وقت العشاء غريباً شاقًّا . ومصلِّي الصبح في جماعة لا سيما في أوّل الوقت كما كان عليه السلام يصليها . والعادة أن من حافظ على هذه الصلاة في أوّل الوقت يقوم سَحَراً يتوضأ ويصليّ ويذكر الله عز وجل إلى أن يطلع الفجر فقد حصل التجافي أوّلَ الليل وآخره . يزيد هذا ما رواه مسلم من حديث عثمان بن عفان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله " ولفظ الترمذي وأبي داود في هذا الحديث : " من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ، ومن صلّى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة " وقد مضى في سورة « النور » عن كعب فيمن صلّى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات كن له بمنزلة ليلة القدر . وجاءت آثار حسان في فضل الصلاة بين المغرب والعشاء وقيام الليل . ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا يحيـى بن أيوب قال حدثني محمد بن الحجاج أو ابن أبي الحجاج أنه سمع عبد الكريم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " « من ركع عشر ركعات بين المغرب والعشاء بُنِيَ له قصر في الجنة » فقال له عمر بن الخطاب : إذاً تَكْثر قصورنا وبيوتنا يا رسول لله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الله أكبر وأفضل أو قال أطيب » " وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : صلاة الأوّابين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى تثوب الناس إلى الصلاة . وكان عبد الله بن مسعود يصلّي في تلك الساعة ويقول : صلاة الغفلة بين المغرب والعشاء ذكره ابن المبارك . ورواه الثعلبي مرفوعاً عن ابن عمر قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من جَفَتْ جنباه عن المضاجع ما بين المغرب والعشاء بُنِيَ له قصران في الجنة مسيرة عام ، وفيهما من الشجر ما لو نزلها أهل المشرق والمغرب لأوسعتهم فاكهة " وهي صلاة الأوّابين وغفلة الغافلين . وإن من الدعاء المستجاب الذي لا يردّ الدعاء بين المغرب والعشاء . فصل في فضل التجافي : ذكر ابن المبارك عن ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : ستعلمون اليوم مَن أصحاب الكرم لِيَقُمِ الحامدون لله على كل حال ، فيقومون فيُسَرّحون إلى الجنة . ثم ينادي ثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم لِيَقُمِ الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } . قال : فيقومون فيسرحون إلى الجنة . قال : ثم ينادي ثالثة : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم لِيَقُمِ الذين كانوا { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة . ذكره الثعلبيّ مرفوعاً عن أسماء بنت يزيد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء منادٍ فنادى بصوت تسمعه الخلائق كلهم : سيعلم أهل الجمع اليوم من أوْلى بالكَرَمِ ، لِيَقُمِ الذين كانت تتجافى جنوبُهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ، ثم ينادي الثانيةَ ستعلمون اليومَ مَن أوْلَى بالكرم لِيَقُمِ الذين لا تلهِيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون ، ثم ينادي الثالثةَ ستعلمون اليوم من أولى بالكرم لِيَقُمِ الحامدون لله على كل حال في السرّاء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعاً إلى الجنة ، ثم يحاسب سائر الناس " وذكر ابن المبارك قال أخبرنا مَعْمَر عن رجل عن أبي العلاء بن الشِّخّير عن أبي ذرّ قال : ثلاثة يَضْحَك الله إليهم ويستبشر الله بهم : رجل قام من الليل وترك فراشه ودِفْأهُ ، ثم توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قام إلى الصلاة فيقول الله لملائكته : ما حمل عبدي على ما صنع ، فيقولون : ربَّنا أنت أعلم به منا فيقول : أنا أعلم به ولكن أخبروني فيقولون : رَجّيته شيئاً فرجاه وخوّفته فخافه . فيقول : أشهدكم أني قد أمنته مما خاف وأوجبت له ما رجاه قال : ورجل كان في سَرِيّة فلقِي العدوّ فانهزم أصحابه وثبت هو حتى يُقتل أو يفتح الله عليهم فيقول الله لملائكته مثل هذه القصة . ورجل سَرى في ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل هو وأصحابه ، فنام أصحابه وقام هو يصلّي فيقول الله لملائكته … وذكر القصة . قوله تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } في موضع نصب على الحال أي داعين . ويحتمل أن تكون صفة مستأنفة أي تتجافى جنوبهم وهم أيضاً في كل حال يدعون ربّهم لَيْلَهم ونهارهم . و { خَوْفاً } مفعول من أجله . ويجوز أن يكون مصدراً . { وَطَمَعاً } مثله أي خوفاً من العذاب وطمعاً في الثواب . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } تكون « ما » بمعنى الذي وتكون مصدراً ، وفي كِلاَ الوجهين يجب أن تكون منفصلة من « مِن » و « يُنْفِقُونَ » قيل : معناه الزكاة المفروضة . وقيل : النوافل وهذا القول أمدح .