Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 23-24)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ } رفع بالابتداء ، وصَلُح الابتداء بالنكرة لأن « صَدَقُوا » في موضع النعت . { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } . « مَن » في موضع رفع بالابتداء . وكذا « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » والخبر في المجرور . والنَّحْب : النذر والعهد تقول منه : نَحَبت أَنْحُب بالضم . قال الشاعر : @ وإذا نحبت كَلْبٌ على الناس إنهم أحق بتاج الماجد المتكرم @@ وقال آخر : @ قـد نحـب المجـدُ علـيـنا نَحْـبَـا @@ وقال آخر : @ أَنَحْـبٌ فيـقـضَـى أم ضـلالٌ وبـاطـلُ @@ وروى البخاريّ ومسلم والترمذي عن أنس قال : قال عمّي أنس بن النَّضْر سُمِّيت به ولم يشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكَبُر عليه فقال : أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غِبتُ عنه ، أما واللَّهِ لئن أرانِي الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد لَيَرَيَنّ الله ما أصنع . قال : فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد من العام القابل ، فاستقبله سعد بن مالك فقال : يا أبا عمرو أين ؟ قال : واهاً لريح الجنة ! أجدها دون أُحُد فقاتل حتى قُتل ، فوجِد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورَمْية . فقالت عَمّتي الرُّبَيِّع بنت النضر : فما عرفت أخي إلا بَبَنانه . ونزلت هذه الآية : { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } لفظ الترمذيّ ، وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] الآية : منهم طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصيبت يده فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أوجب طلحة الجنة " وفي الترمذيّ عنه : " أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابيّ جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته ، يوقّرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ثم إني اطّلعت من باب المسجد وعليّ ثياب خضر ، فلما رآني النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « أين السائل عمن قضى نحبه ؟ » قال الأعرابي : أنا يا رسول الله . قال : « هذا ممن قضى نَحْبَه » " قال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكير . وروى البيهقي عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أُحُد ، مرّ على مصعب بن عُمير وهو مقتول على طريقه ، فوقف عليه ودَعَا له ، ثم تلا هذه الآية : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ إلى تَبْدِيلاً } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأْتُوهم وزوروهم والذي نفسي بيده لا يسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردّوا عليه » " وقيل : النحب الموت أي مات على ما عاهد عليه عن ابن عباس . والنحب أيضاً الوقت والمدّة . يقال : قضى فلان نحبه إذا مات . وقال ذو الرمّة : @ عشِيّةَ فرّ الحارِثيّون بعد ما قَضَى نَحْبه في ملتَقَى الخيل هَوْبَرُ @@ والنَّحْب أيضاً الحاجة والهِمة يقول قائلهم : مالي عندهم نحب وليس المراد بالآية . والمعنى في هذا الموضع بالنحب النذر كما قدّمنا أوّلاً أي منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل مثل حمزة وسعد بن معاذ وأنس بن النضر وغيرهم . ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدّلوا عهدهم ونذرهم . وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ « فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ومنهم من بدّل تَبْديلاً » قال أبو بكر الأنباريّ : وهذا الحديث عند أهل العلم مردود لخلافه الإجماع ، ولأن فيه طعناً على المؤمنين والرجال الذين مدحهم الله وشرفهم بالصدق والوفاء فما يعرف فيهم مغيّر وما وجد من جماعتهم مبدّل رضي الله عنهم . { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي أمر الله بالجهاد ليجزي الصادقين في الآخرة بصدقهم . { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ } في الآخرة { إِن شَآءَ } أي إن شاء أن يعذبهم لم يوفقهم للتوبة وإن لم يشأ أن يعذبهم تاب عليهم قبل الموت . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } .