Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-15)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ } قرأ نافع وغيره بالصرف والتنوين على أنه اسم حَيٍّ ، وهو في الأصل اسم رجل جاء بذلك التوقيف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . روى الترمذِيّ قال : حدّثنا أبو كُريب وعبد بن حُميد قالا حدّثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعيّ قال : حدّثنا أبو سَبْرة النّخعيّ " عن فَروة بن مُسيك المرادي قال : أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم فأذِن لي في قتالهم وأمرني فلما خرجت من عنده سأل عني : « ما فعل الغُطَيفِيّ » ؟ فأخبِر أني قد سِرت ، قال : فأرسل في أثري فردّني فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال : « ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك قال : وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل : يا رسول الله ، وما سبأ ؟ أرض أو امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا بامرأة ولكنه رجل ولَد عشرة من العرب فتيامَن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة . فأما الذين تشاءموا فَلخْم وجُذام وغَسّان وعاملة . وأما الذين تيامَنوا فالأْزد والأشعرِيُّون وحِمْير وكِنْدة ومَذْحِج وأنمار . فقال رجل : يا رسول الله وما أنمار ؟ قال : « الذين منهم خَثْعم وبِجَيلة » " وروي هذا عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو « لِسَبَأَ » بغير صرف ، جعله اسماً للقبيلة ، وهو اختيار أبي عبيد ، واستدل على أنه اسم قبيلة بأن بعده « فِي مَسَاكِنِهم » . النحاس : ولو كان كما قال لكان في مساكنها . وقد مضى في « النمل » زيادة بيان لهذا المعنى . وقال الشاعر في الصرف : @ الواردون وتَيْمٌ في ذُرى سبأ قد عضّ أعناقَهُم جِلدُ الجواميس @@ وقال آخر في غير الصرف : @ من سَبَأَ الحاضرين مأرِبَ إذ يَبْنُون من دون سَيْلها العَرِما @@ وقرأ قُنْبُل وأبو حَيْوَة والجَحْدَرِيّ « لسَبَأ » بإسكان الهمزة . « فِي مَسَاكِنِهِمْ » قراءة العامة على الجمع ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لأن لهم مساكن كثيرة وليس بمسكن واحد . وقرأ إبراهيم وحمزة وحفص « مسكنِهِم » موحَّداً ، إلا أنهم فتحوا الكاف . وقرأ يحيـى والأعمش والكسائيّ موحَّداً كذلك ، إلا أنهم كسروا الكاف . قال النحاس : والساكن في هذا أبين لأنه يجمع اللفظ والمعنى ، فإذا قلت : « مسكنهم » كان فيه تقديران : أحدهما : أن يكون واحداً يؤدي عن الجمع . والآخر : أن يكون مصدراً لا يثنَّى ولا يُجمع كما قال الله تعالى : { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ } [ البقرة : 7 ] فجاء بالسمع موحَّداً . وكذا { مَقْعَدِ صِدْقٍ } [ القمر : 55 ] و « مَسْكِن » مثل مسجد ، خارج عن القياس ، ولا يوجد مثله إلا سماعاً . { آيَةٌ } اسم كان ، أي علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقاً خلقهم ، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يُخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك ، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها ، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر . { جَنَّتَانِ } يجوز أن يكون بدلاً من « آية » ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، فيوقف على هذا الوجه على « آية » وليس بتمام . قال الزجاج : أي الآية جنتان ، فجنتان رفع لأنه خبر ابتداء محذوف . وقال الفراء : رفع تفسيراً للآية ، ويجوز أن تنصب « آية » على أنها خبر كان ، ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر أيضاً في غير القرآن . وقال عبد الرحمن بن زيد : إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة قطُّ ولا ذباباً ولا بُرغُوثاً ولا قملة ولا عقرباً ولا حية ولا غيرها من الهوام ، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب . وقيل : إن الآية هي الجنتان ، كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسهما مِكتل فيمتلىء من أنواع الفواكه من غير أن تمسها بيدها قاله قتادة . وروي أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن . قال سفيان : وُجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما : نحن بنينا سَلْحِين في سبعين خريفاً دائبين ، وعلى الآخر مكتوب : نحن بنينا صِرْواح ، مَقِيل ومَراح فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله . قال القشيريّ : ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجنتين يَمنة ويَسرة أي كانت بلادهم ذات بساتين وأشجار وثمار تستتر الناس بظلالها . { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ } أي قيل لهم كلوا ، ولم يكن ثمّ أمر ، ولكنهم تمكنوا من تلك النعم . وقيل : أي قالت الرسل لهم قد أباح الله تعالى لكم ذلك أي أباح لكم هذه النعم فاشكروه بالطاعة . { مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ } أي من ثمار الجنتين . { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } يعني على ما رزقكم . { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } هذا كلام مستأنف أي هذه بلدة طيبة أي كثيرة الثمار . وقيل : غير سبخة . وقيل : طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها . قال مجاهد : هي صنعاء . { وَرَبٌّ غَفُورٌ } أي والمنعم بها عليكم ربّ غفور يستر ذنوبكم ، فجمع لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه . وقيل : إنما ذكر المغفرة مشيراً إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام . وقد مضى القول في هذا في أوّل « البقرة » . وقيل : إنما امتَنّ عليهم بعفوه عن عذاب الاستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف الأنبياء إلى أن استداموا الإصرار فاستؤصلوا .