Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 22-35)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } هو من قول الله تعالى للملائكة : { ٱحْشُرُواْ } المشركين { وَأَزْوَاجَهُمْ } أي أشياعهم في الشرك ، والشرك الظلم قال الله تعالى : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] فيحشر الكافر مع الكافر قاله قتادة وأبو العالية . وقال عمر بن الخطاب في قول الله عز وجل : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } قال : الزاني مع الزاني ، وشارب الخمر مع شارب الخمر ، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة . وقال ابن عباس : « وَأَزْوَاجَهُمْ » أي أشباههم . وهذا يرجع إلى قول عمر . وقيل : « وَأَزْوَاجَهُمْ » نساؤهم الموافقات على الكفر قاله مجاهد والحسن ، ورواه النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب . وقال الضحاك : « وَأَزْوَاجَهُمْ » قرناءهم من الشياطين . وهذا قول مقاتل أيضاً : يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة . { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي من الأصنام والشياطين وإبليس . { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } أي سوقوهم إلى النار . وقيل : « فَٱهْدُوهُمْ » أي دُلّوهم . يقال : هديته إلى الطريق ، وهديته الطريق أي دللته عليه . وأهديتُ الهديّةَ وهَديتُ العروسَ ، ويقال أهديتها أي جعلتها بمنزلة الهديّة . قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } وحكى عيسى بن عمر « أَنَّهُمْ » بفتح الهمزة . قال الكسائي : أي لأنهم وبأنهم ، يقال : وَقفتُ الدابَة أقفها وَقْفاً فوقفت هي وقوفاً ، يتعدى ولا يتعدى أي ٱحبسوهم . وهذا يكون قبل السَّوق إلى الجحيم وفيه تقديم وتأخير ، أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار . وقيل : يساقون إلى النار أولاً ثم يحشرون للسؤال إذا قربوا من النار . « إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ » عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم قاله القرظي والكلبي . الضحاك : عن خطاياهم . ٱبن عباس : عن لا إلٰه إلا الله . وعنه أيضاً : عن ظلم الخلق . وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب . وقد مضى في « الحجر » الكلام فيه . وقيل : سؤالهم أن يقال لهم : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } [ الأنعام : 130 ] إقامة للحجة . ويقال لهم : { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } على جهة التقريع والتوبيخ أي ينصر بعضكم بعضاً فيمنعه من عذاب الله . وقيل : هو إشارة إلى قول أبي جهل يوم بدر : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [ القمر : 44 ] . وأصله تتناصرون فطُرحت إحدى التاءين تخفيفاً . وشدّد الْبَزِّي التاء في الوصل . قوله تعالى : { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } قال قتادة : مستسلمون في عذاب الله عز وجل . ٱبن عباس : خاضعون ذليلون . الحسن : منقادون . الأخفش : ملقون بأيديهم . والمعنى متقارب . { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني الرؤساء والأتباع { يَتَسَآءَلُونَ } يتخاصمون . ويقال لا يتساءلون فسقطت لا . النحاس : وإنما غلط الجاهل باللغة فتوهّم أن هذا من قوله : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] إنما هو لا يتساءلون بالأرحام ، فيقول أحدهم : أسألك بالرحم الذي بيني وبينك لما نفعتني ، أو أسقطت لي حقاً لك عليّ ، أو وهبت لي حسنة . وهذا بيّن لأن قبله « فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ » . أي ليس ينتفعون بالأنساب التي بينهم كما جاء في الحديث : " إن الرجل لَيُسَرّ بأن يصح له على أبيه أو على ٱبنه حق فيأخذه منه لأنها الحسنات والسيئات " ، وفي حديث آخر : " رحم الله ٱمرءاً كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فأتاه فٱستحلّه قبل أن يطالبه به فيأخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات زِيد عليه من سيئات المطالب " و « يَتَسَاءَلُونَ » هاهنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضاً ويوبخه في أنه أضلّه أو فتح له باباً من المعصية يبيّن ذلك أن بعده { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } قال مجاهد : هو قول الكفار للشياطين . قتادة : هو قول الإنس للجن . وقيل : هو من قول الأتباع للمتبوعين دليله قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } [ سبأ : 31 ] الآية . قال سعيد عن قتادة : أي تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها . وعن ٱبن عباس نحو منه . وقيل : تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح . والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح . وقيل : « تَأَتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ » تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدّقناه . وقيل : تأتوننا من قِبل الدِّين فتهوِّنون علينا أمر الشريعة وتنفِّروننا عنها . قلت : وهذا القول حسن جداً لأن من جهة الدِّين يكون الخير والشر ، واليمين بمعنى الدِّين أي كنتم تزينون لنا الضلالة . وقيل : اليمين بمعنى القوّة أي تمنعوننا بقوّة وغلبة وقهر قال الله تعالى : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] أي بالقوّة وقوّة الرجل في يمينه وقال الشاعر : @ إذا مَا رَايةٌ رُفِعتْ لمجدٍ تَلّقاها عَرابَةُ باليمين @@ أي بالقوّة والقدرة . وهذا قول ٱبن عباس . وقال مجاهد : « تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ » أي من قبل الحق أنه معكم وكله متقارب المعنى . { قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } قال قتادة : هذا قول الشياطين لهم . وقيل : من قول الرؤساء أي لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر ، بل كنتم على الكفر فأقمتم عليه للإلف والعادة . { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي من حجة في ترك الحق . { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } أي ضالين متجاوزين الحد . { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ } هو أيضاً من قول المتبوعين أي وجب علينا وعليكم قول ربنا ، فكلنا ذائقو العذاب ، كما كتب الله وأخبر على ألسنة الرسل { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . وهذا موافق للحديث : " إن الله جل وعز كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم " { فَأَغْوَيْنَاكُمْ } أي زيّنا لكم ما كنتم عليه من الكفر { إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } بالوسوسة والاستدعاء . ثم قال خبراً عنهم : { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } الضال والمضل . { إِنَّا كَذَلِكَ } أي مثل هذا الفعل { نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي المشركين . { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } أي إذا قيل لهم قولوا فأضمر القول . و « يَسْتَكْبِرُونَ » في موضع نصب على خبر كان . ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر إنّ ، وكان ملغاة . ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عند موته وٱجتماع قريش : " قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم " أبَوْا وأنِفُوا من ذلك . وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنزل الله تعالى في كتابه فذكر قوماً ٱستكبروا فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } " وقال تعالى : { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [ الفتح : 26 ] وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله ٱستكبر عنها المشركون يوم الْحُدَيْبِيَة يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدّة ذكر هذا الخبر البيهقي ، والذي قبله القشيري .