Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 26-26)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } أي ملّكناك لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فتخلُف من كان قبلك من الأنبياء والأئمة الصالحين . وقد مضى في « البقرة » القول في الخليفة وأحكامه مستوفى والحمد لله . الثانية : قوله تعالى : { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } أي بالعدل . وهو أمر على الوجوب وقد ارتبط هذا بما قبله ، وذلك أن الذي عوتب عليه داود طلبه المرأة من زوجها وليس ذلك بعدل . فقيل له بعد هذا فاحكم بين الناس بالعدل { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } أي لا تقتد بهواك المخالف لأمر الله { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي عن طريق الجنة . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي يحيدون عنها ويتركونها { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ } في النار { بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } أي بما تركوا من سلوك طريق الله فقوله : « نَسُوا » أي تركوا الإيمان به ، أو تركوا العمل به فصاروا كالناسين . ثم قيل : هذا لداود لما أكرمه الله بالنبوّة . وقيل : بعد أن تاب عليه وغفر خطيئته . الثالثة : الأصل في الأقضية قوله تعالى : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } وقوله : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ } [ المائدة : 49 ] وقوله تعالى : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } [ النساء : 105 ] وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ } [ المائدة : 8 ] الآية . وقد تقدّم الكلام فيه . الرابعة : قال ابن عباس في قوله تعالى : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال : إن ارتفع لك الخصمان فكان لك في أحدهما هوًى ، فلا تشته في نفسك الحق له لِيفلُج على صاحبه ، فإن فعلتَ محوتُ اسمك من نبوّتي ، ثم لا تكون خليفتي ولا أهل كرامتي . فدلّ هذا على بيان وجوب الحكم بالحق ، وألاّ يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء نفع ، أو سبب يقتضي الميل من صحبة أو صداقة ، أو غيرهما . وقال ابن عباس : إنما ابتلي سليمان بن داود عليه السلام ، لأنه تقدّم إليه خصمان فهوِي أن يكون الحق لأحدهما . وقال عبد العزيز بن أبي روّاد : بلغني أن قاضياً كان في زمن بني إسرائيل ، بلغ من اجتهاده أن طلب إلى ربه أن يجعل بينه وبينه علَما ، إذا هو قضى بالحق عرف ذلك وإذا هو قصّر عرف ذلك ، فقيل له : ادخل منزلك ، ثم مدّ يدك في جدارك ، ثم انظر حيث تبلغ أصابعك من الجدار فاخطط عندها خطاً فإذا أنت قمت من مجلس القضاء ، فارجع إلى ذلك الخط فامدد يدك إليه ، فإنك متى ما كنت على الحق فإنك ستبلغه ، وإن قصّرت عن الحق قصّر بك ، فكان يغدو إلى القضاء وهو مجتهد فكان لا يقضي إلا بحق ، وإذا قام من مجلسه وفرغ لم يذق طعاماً ولا شراباً ، ولم يفِض إلى أهله بشيء من الأمور حتى يأتي ذلك الخط ، فإذا بلغه حمد الله وأفضى إلى كل ما أحلّ الله له من أهل أو مطعم أو مشرب . فلما كان ذات يوم وهو في مجلس القضاء ، أقبل إليه رجلان يريدانه ، فوقع في نفسه أنهما يريدان أن يختصما إليه ، وكان أحدهما له صديقاً وخِدْناً ، فتحرّك قلبه عليه محبة أن يكون الحق له فيقضي له ، فلما أن تكلما دار الحق على صاحبه فقضى عليه ، فلما قام من مجلسه ذهب إلى خطه كما كان يذهب كل يوم ، فمدّ يده إلى الخط فإذا الخط قد ذهب وتشمّر إلى السقف ، وإذا هو لا يبلغه فخرّ ساجداً وهو يقول : يا ربّ شيئاً لم أتعمده ولم أردْه فبيِّنْه لي . فقيل له أتحسبن أن الله تعالى لم يطلع على خيانة قلبك ، حيث أحببت أن يكون الحق لصديقك لتقضي له به ، قد أردته وأحببته ولكن الله قد ردّ الحق إلى أهله وأنت كاره . وعن ليث قال : تقدّم إلى عمر بن الخطاب خصمان فأقامهما ، ثم عادا فأقامهما ، ثم عادا ففصل بينهما ، فقيل له في ذلك ، فقال : تقدّما إليّ فوجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه ، فكرهت أن أفصل بينهما على ذلك ، ثم عادا فوجدت بعض ذلك له ، ثم عادا وقد ذهب ذلك ففصلت بينهما . وقال الشعبي : كان بين عمر وأُبَيٍّ خصومة ، فتقاضيا إلى زيد بن ثابت ، فلما دخلا عليه أشار لعمر إلى وسادته ، فقال عمر : هذا أوّل جورك أجلسني وإياه مجلساً واحداً فجلسا بين يديه . الخامسة : هذه الآية تمنع من حكم الحاكم بعلمه لأن الحكام لو مكِّنوا أن يحكموا بعلمهم ، لم يشأ أحدهم إذا أراد أن يحفظ وليّه ويهلك عدوّه إلا ادعى علمه فيما حكم به . ونحو ذلك روي عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر قال : لو رأيت رجلاً على حدّ من حدود الله ، ما أخذته حتى يشهد على ذلك غيري . وروي ان امرأة جاءت إلى عمر فقالت له : احكم لي على فلان بكذا فإنك تعلم ما لي عنده . فقال لها : إن أردت أن أشهد لك فنعم وأما الحكم فلا . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه اشترى فرساً فجحده البائع ، فلم يحكم عليه بعلمه وقال : « من يشهد لي » فقام خزيمة فشهد فحكم " خرّج الحديث أبو داود وغيره وقد مضى في « البقرة » .