Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-9)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ } يعني الكافر { ضُرٌّ } أي شدّة من الفقر والبلاء { دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } أي راجعاً إليه مُخْبِتاً مطيعاً له مستغيثاً به في إزالة تلك الشدّة عنه . { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ } أي أعطاه وملّكه . يقال : خوّلك الله الشيء أي ملّكك إياه وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد : @ هُنَالِكَ إِن يُسْتَخْوَلُوا الْمالَ يُخْوِلوا وإِن يُسْألُوا يُعْطُوا وإِن يَيْسِروا يُغْلُوا @@ وخَوَلُ الرجل : حَشَمُه الواحد خائل . قال أبو النّجم : @ أَعْطَى فلم يَبْخَلْ ولم يُبَخَّلِ كُوم الذُّرى مِن خَوَلِ الْمُخَوَّلِ @@ { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } أي نسى ربه الذي كان يدعوه من قبل في كشف الضر عنه . فـ « ـما » على هذا الوجه لله عز وجل وهي بمعنى الذي . وقيل : بمعنى من كقوله : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 3 ] والمعنى واحد . وقيل : نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى الله عز وجل . أي ترك كون الدعاء منه إلى الله ، فما والفعل على هذا القول مصدر . { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً } أي أوثاناً وأصناماً . وقال السّدي : يعني أنداداً من الرجال يعتمدون عليهم في جميع أمورهم . { لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } أي ليقتدي به الجهال . { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } أي قل لهذا الإِنسان « تَمَتَّع » وهو أمر تهديد فمتاع الدنيا قليل . { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } أي مصيرك إلى النار . قوله تعالى : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱللَّيْلِ } بيّن تعالى أن المؤمن ليس كالكافر الذي مضى ذكره . وقرأ الحسن وأبو عمرو وعاصم والكسائي « أَمَّنْ » بالتشديد . وقرأ نافع وابن كثير ويحيـى بن وثّاب والأعمش وحمزة : « أَمَنْ هُوَ » بالتخفيف على معنى النداء كأنه قال يا من هو قانت . قال الفراء : الألف بمنزلة يا ، تقول يا زيد أقبل وأزيد أقبل . وحكي ذلك عن سيبويه وجميع النحويين كما قال أوس بن حَجَر : @ أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيدٍ إِلاَّ يَداً لَيْسَت لها عَضُدُ @@ وقال آخر هو ذو الرُّمّة : @ أَدَاراً بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرةً فَمَاءُ الْهَوى يَرْفَضُّ أَو يَتَرَقْرَقُ @@ فالتقدير على هذا { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } يا من هو قانت إنك من أصحاب الجنة كما يقال في الكلام : فلان لا يصلي ولا يصوم ، فيا من يُصلي ويَصوم أبشر فحذف لدلالة الكلام عليه . وقيل : إن الألف في « أمن » ألف استفهام أي « أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ » أفضل ؟ أم من جعل لله أنداداً ؟ والتقدير الذي هو قانت خير . ومن شدد « أَمَّنْ » فالمعنى العاصون المتقدم ذكرهم خير « أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ » فالجملة التي عادلت أم محذوفة ، والأصل أم من فأدغمت في الميم . النحاس : وأم بمعنى بل ، ومَن بمعنى الذي والتقدير : أم الذي هو قانت أفضل ممن ذكر . وفي قانت أربعة أوجه : أحدها أنه المطيع قاله ابن مسعود . الثاني أنه الخاشع في صلاته قاله ابن شهاب . الثالث أنه القائم في صلاته قاله يحيـى بن سلاّم . الرابع أنه الداعي لربه . وقول ابن مسعود يجمع ذلك . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله عز وجل " وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سئل أي الصلاة أفضل ؟ فقال : « طول القنوت » " وتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام . وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر سئل عن القنوت فقال : ما أعرف القنوت إلا طول القيام ، وقراءة القرآن . وقال مجاهد : من القنوت طول الركوع وغضّ البصر . وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضُّوا أبصارهم ، وخضعوا ولم يلتفتوا في صلاتهم ، ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئاً من أمر الدنيا إلا ناسين . قال النحاس : أصل هذا أن القنوت الطاعة ، فكل ما قيل فيه فهو طاعة لله عز وجل ، فهذه الأشياء كلها داخلة في الطاعة وما هو أكثر منها كما قال نافع : قال لي ابن عمر قم فصلّ فقمت أصلّي وكان عليّ ثوب خَلِق ، فدعاني فقال لي : أرأيت لو وجهتك في حاجة أكنت تمضي هكذا ؟ فقلت : كنت أتزيَّن قال : فالله أحق أن تتزيَّن له . واختلف في تعيين القانت هاهنا ، فذكر يحيـى بن سلام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس في رواية الضحاك عنه : هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . وقال ابن عمر : هو عثمان رضي الله عنه . وقال مقاتل : إنه عمّار بن ياسِر . الكلبي : صُهَيب وأبو ذرّ وابن مسعود . وعن الكلبي أيضاً مرسل فيمن كان على هذه الحال . { آنَآءَ ٱللَّيْلِ } قال الحسن : ساعاته أوله وأوسطه وآخره . وعن ابن عباس : « آنَاءَ اللَّيْلِ » جوف الليل . قال ابن عباس : من أحبّ أن يهوّن الله عليه الوقوف يوم القيامة ، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ، ويرجو رحمة ربه . وقيل : ما بين المغرب والعشاء . وقول الحسن عام . { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } قال سعيد بن جبير : أي عذاب الآخرة . { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي نعيم الجنة . وروي عن الحسن أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال : هذا مُتَمَنٍّ . ولا يقف على قوله : { رَحْمَةَ رَبِّهِ } من خفف « أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ » على معنى النداء لأن قوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } متصل إلا أن يقدر في الكلام حذف وهو أيسر ، على ما تقدم بيانه . قال الزجاج : أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي . وقال غيره : الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به ، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم . { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ } أي أصحاب العقول من المؤمنين .