Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 103-104)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى { قَضَيْتُمُ } معناه فرغتم من صلاة الخوف وهذا يدل على أن القضاء يستعمل فيما قد فُعل في وقته ومنه قوله تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } [ البقرة : 200 ] وقد تقدّم . الثانية قوله تعالى : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } ذهب الجمهور إلى أن هذا الذّكر المأمور به إنما هو إثر صلاة الخوف أي إذا فرغتم من الصلاة فٱذكروا الله بالقلب واللسان ، على أي حال كنتم { قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } وأديموا ذكره بالتكبير والتهليل والدعاء بالنصر لا سيما في حال القتال . ونظيره { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الأنفال : 45 ] . ويقال : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلاَةَ } بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب ، أو قياما أو قعودا أو على جنوبكم إن لم تستطيعوا القيام ، إذا كان خوفا أو مرضا كما قال تعالى في آية أخرى : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } [ البقرة : 239 ] وقال قوم : هذه الآية نظيرة التي في « آل عمران » فروي أن عبدالله بن مسعود رأى الناس يَضِجّون في المسجد فقال : ما هذه الضجة ؟ قالوا : أليس الله تعالى يقول { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } ؟ قال : إنما يعني بهذا الصلاة المكتوبة إن لم تستطع قائماً فقاعداً ، وإن لم تستطع فَصَلّ على جنبك . فالمراد نفس الصلاة لأن الصلاة ذكر الله تعالى ، وقد اشتملت على الأذكار المفروضة والمسنونة والقول الأوّل أظهر . والله أعلم . الثالثة قوله تعالى : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } أي أمنتم . والطمأنينة سكون النفس من الخوف . { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي فأتوها بأركانها وبكمال هيئتها في السفر ، وبكمال عددها في الحَضَر . { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } أي مؤقتة مفروضة . وقال زيد ٱبن أسلم . { مَّوْقُوتاً } مُنَجَّماً ، أي تؤدّونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة : مفروض لوقت بعينه يقال : وقتَه فهو موقوت . ووقّته فهو مؤقت . وهذا قول زيد بن أسلم بعينه . وقال : { كِتَاباً } والمصدر مذكر فلهذا قال : { مَّوْقُوتاً } . الرابعة قوله تعالى : { وَلاَ تَهِنُواْ } أي لا تَضْعفُوا ، وقد تقدّم في « آل عمران » . { فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } طلبهم . قيل : نزلت في حرب أُحُد حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج في آثار المشركين . وكان بالمسلمين جراحات ، وكان أمر ألاّ يخرج معه إلا من كان في الوقعة ، كما تقدّم في « آل عمران » وقيل : هذا في كل جهاد . الخامسة قوله تعالى { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } أي تتألمون مما أصابكم من الجراح فهم يتألمون أيضاً مما يصيبهم ، ولكم مَزِيّة وهي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه وذلك أن من لا يؤمن بالله لا يرجو من الله شيئاً . ونظير هذه الآية { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } [ الأنعام 140 ] وقد تقدّم . وقرأ عبدالرحمن الأعرج « أن تكونوا » بفتح الهمزة ، أي لأن وقرأ منصور ابن المعتمر « إن تكونوا تئْلَمُون » بكسر التاء . ولا يجوز عند البصريين كسر التاء لثقل الكسر فيها . ثم قيل : الرجاء هنا بمعنى الخوف لأن من رجا شيئاً فهو غير قاطع بحصوله فلا يخلو من خوف فوت ما يرجو . وقال الفرّاء والزجاج : لا يُطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي كقوله تعالى : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] أي لا تخافون لله عَظَمةً . قوله تعالى : { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 14 ] أي لا يخافون . قال القشيري : ولا يبعد ذكر الخوف من غير أن يكون في الكلام نفي ، ولكنهما ٱدّعيا أنه لم يوجد ذلك إلا مع النفي . والله أعلم .