Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 35-35)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأُولى قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } قد تقدّم معنى الشقاق في « البقرة » . فكأنّ كل واحد من الزوجين يأخذ شِقّاً غير شِقّ صاحبه ، أي ناحية غير ناحية صاحبه . والمراد إن خِفتم شِقاقاً بينهما فأضيف ٱلمصدر إلى الظرف كقولك : يعجِبني سَيْر الليلة المُقْمرة ، وصومُ يومِ عرفة . وفي التنزيل : { بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ سبأ : 33 ] . وقيل : إن « بَيْنَ » أجرِي مجرى ٱلأسماء وأزِيل عنه الظرفية إذ هو بمعنى حالهما وعشرتهما ، أي وإن خِفتم تباعد عشرتهما وصحبتهما { فَٱبْعَثُواْ } . و { خِفْتُمْ } على الخلاف المتقدّم . قال سعيد بن جُبير : الحُكْم أن يعِظَها أوّلاً ، فإن قبِلت وإلا هجرها ، فإن هي قبِلت وإلا ضربها ، فإن هي قبِلت وإلا بعث الحاكِم حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها ، فينظران ممن الضرر ، وعند ذلك يكون الخُلْع . وقد قيل : له أن يضرِب قبل الوعظ . والأوّل أصح لترتيب ذلك في الآية . الثانية الجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله : « وَإنْ خِفْتُمْ » الحُكّامُ والأُمراء . وأن قوله : { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } يعني الحكمين في قول ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما . أي إن يرد الحكمان إصلاحاً يُوفّق الله بين الزوجين . وقيل : المراد الزوجان أي إن يرد الزوجان إصلاحاً وصِدقاً فيما أخبرا به الحكمين { يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } . وقيل : الخطاب للأولياء . يقول : { وَإِنْ خِفْتُمْ } أي علمتم خِلافاً بين الزوجين { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة إذ هما أقعد بأحوال الزوجين ، ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه . فإن لم يُوجد من أهلهما مَن يصلح لذلك فيُرسِل من غيرهما عدلين عالِمين وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يُدْرَ مِمن ٱلإساءة منهما . فأمّا إن عرِف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه ويُجبر على إزالة الضرر . ويقال : إن الحَكَم من أهل الزوج يخلو به ويقول له : أخبِرني بما في نفسِك أتهواها أم لا حتى أعلم مرادك ؟ فإن قال : لا حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرّق بيني وبينها ، فيُعرف أن مِن قِبله النشوز . وإن قال : إنِّي أهواها فأرضِها من مالي بما شِئت ولا تفرّق بيني وبينها ، فيُعلم أنه ليس بناشِز . ويخلو الحكم من جهتها بالمرأة ويقول لها : أتهوِي زوجَك أم لا فإن قالت : فرّق بيني وبينه وأعطه من مالي ما أراد فيعلم أن النشوز من قِبلها . وإن قالت : لا تفرّق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسِن إليّ ، علم أن النشوز ليس من قبلها . فإذا ظهر لهما الذي كان النشوز من قِبله يُقبِلان عليه بالعِظةِ والزجر والنهي فذلك قوله تعالى : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } . الثالثة قال العلماء : قَسّمت هذه الآيةُ النساءَ تقسيماً عقليّاً لأنهنّ إمّا طائعة وإما ناشز والنشوز إما أن يرجع إلى الطّواعِية أوْ لا . فإن كان الأوّل تُرِكَا لما رواه النّسائِي أن عَقِيل بن أبي طالب تزوّج فاطمةَ بنتَ عتبة بن ربيعة فكان إذا دخل عليها تقول : يا بني هاشم ، واللَّهِ لا يحِبكم قلبي أبداً ! أين الذين أعناقهم كأباريق الفِضة ! تُرَدّ أُنوفهم قبل شِفاهِهِم ، أين عُتبةُ بن ربيعة ، أبن شَيْبة بن ربيعة فيسكت عنها ، حتى دخل عليها يوماً وهو بَرِمٌ فقالت له : أين عُتبة بن ربيعة ؟ فقال : على يسارك في النار إذا دخلت فنشرت عليها ثيابها ، فجاءت عثمان فذكرت له ذلك فأرسل ٱبنَ عباس ومعاوية ، فقال ٱبن عباس : لأُفرقنّ بينهما وقال معاوية ما كنت لأُفرّق بين شيخين من بني عبد مناف . فأتياهما فوجداهما قد سدّا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما . فإن وجداهما قد ٱختلفا ولم يصطلِحا وتفاقم أمرهما سَعَيَا في الأُلفة جهدهما ، وذَكّرا بالله وبالصحبة . فإن أنابَا ورجعا تركاهما ، وإن كانا غير ذلك ورأيا الفرقة فرّقا بينهما . وتفريقهما جائز على الزوجين وسواء وافق حُكْم قاضي البلد أو خالفه ، وكّلَهما الزوجان بذلك أو لم يوكّلاهما . والفِراق في ذلك طلاقٌ بائن . وقال قوم : ليس لهما الطلاق ما لم يوكّلْهما الزوج في ذلك ، وليعرّفا الإمام وهذا بناء على أنهما رسولان شاهدان . ثم الإمام يفرّق إن أراد ويأمر الحَكَم بالتفريق . وهذا أحد قولي الشافعيّ وبه قال الكوفيون ، وهو قول عطاء وٱبن زيد والحسن ، وبه قال أبو ثور . والصحيح الأوّل ، وأن للحكمين التطليقَ دون توكيل وهو قول مالك والأُوزاعيّ وإسحاق ورُوي عن عثمان وعليّ وٱبن عباس ، وعن الشَّعْبيّ والنَّخَعِيّ ، وهو قول الشافعي لأن الله تعالى قال : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } وهذا نص من الله سبحانه بأنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان . وللوكيل ٱسم في الشريعة ومعنًى ، ولِلحَكَم ٱسم في الشريعة ومعنًى فإذا بيّن الله كل واحد منهما فلا ينبغي لشاذّ فكيف لِعالم أن يركّب معنى أحدهما على الآخر ! . وقد روى الدَّارَقُطْنِيّ من حديث محمد بن سِيرين عن عبَيدة في هذه الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } قال : جاء رجل وٱمرأة إلى عليّ مع كل واحد منهما فِئام من الناس فأمرهم فبعثوا حَكَماً من أهله وَحَكَماً من أهلها ، وقال للحكمين : هل تَدْرِيان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما . فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولِي . وقال الزوج : أما الفرقة فلا . فقال عليّ : كذبت ، والله لا تبرح حتى تُقِرّ بمثل الذي أقرّت به . وهذا إسناد صحيح ثابت رُوي عن عليّ من وجوه ثابتة عن ٱبن سيرين عن عَبيدة قاله أبو عمر . فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما : أتدريان ما عليكما ؟ إنما كان يقول : أتدريان بما وُكِّلْتما ؟ وهذا بيّن . احتج أبو حنيفة بقول عليّ رضي الله عنه للزوج : لا تبرح حتى ترضى بما رضيت به . فدلّ على أن مذهبه أنهما لا يفرقان إلا برضا الزوج ، وبأن الأصل المجتمع عليه أن الطلاق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه . وجعله مالك ومن تابعه من باب طلاق السلطان على المَوْلى والعِنِّين . الرابعة فإن ٱختلف الحكَمَان لم ينفذ قولهما ولم يلزم من ذلك شيء إلا ما ٱجتمعا عليه . وكذلك كل حكمين حَكَمَا في أمر فإن حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم بها الآخر ، أو حكم أحدهما بمال وأبَى الآخر فليس بشيء حتى يتّفقا . وقال مالك في الحكمين يطلِّقان ثلاثاً قال : تلزم واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة وهو قول ابن القاسم . وقال ابن القاسم أيضاً : تلزمه الثلاث إن اجتمعا عليها وقاله المغيرة وأشهب وابن الماجِشُون وأَصْبَغ . وقال ابن الموّاز : إن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة . وحكى ابن حبيب عن أَصْبَغ أن ذلك ليس بشيء . الخامسة ويجزىء إرسال الواحد لأن الله سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود ، ثم قد " أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزانية أُنَيْساً وحده وقال له : « إن اعترفت فٱرجُمْها » " وكذلك قال عبد الملك في المدوّنة . قلت : وإذا جاز إرسال الواحد فلو حكّم الزوجان واحداً لأجزأ ، وهو بالجواز أوْلى إذا رضيا بذلك ، وإنما خاطب الله بالإرسال الحُكّامَ دون الزوجين . فإن أرسل الزوجان حَكَمين وحَكما نفذ حكمهُما لأن التحكيم عندنا جائز ، وينفذُ فعلُ الحكَم في كل مسألة . هذا إذا كان كل واحد منهما عدلاً ، ولو كان غير عدل قال عبد الملك : حكمه منقوض لأنهما تخاطرا بما لا ينبغي من الغَرَر . قال ابن العربي : والصحيح نفوذه لأنه إن كان توكيلاً فِفْعل الوكيل نافذ ، وإن كان تحكيماً فقد قدّماه على أنفسهما وليس الغرر بمؤثّر فيه كما لم يؤثر في باب التوكيل ، وبابُ القضاء مبنيٌّ على الغَرَر كله ، وليس يلزم فيه معرفة المحكوم عليه بما يؤول إليه الحكم . قال ابن العربي : مسألة الحكَمَين نصَّ اللَّهُ عليها وحَكَم بها عند ظهور الشقاق بين الزوجين ، واختلاف ما بينهما . وهي مسألة عظيمة ٱجتمعت الأُمة على أصلها في البعث ، وإن اختلفوا في تفاصيل ما ترتب عليه . وعجباً لأهل بلدنا حيث غَفَلوا عن موجب الكتاب والسنة في ذلك وقالوا : يُجعلان على يدي أمين وفي هذا من معاندة النّص ما لا يخفى عليكم ، فلا بكتاب الله ٱئتمروا ولا بالأقْيِسة ٱجتَزأُوا . وقد ندبت إلى ذلك فما أجابني إلى بعث الحَكَمين عند الشقاق إلا قاضٍ واحد ، ولا بالقضاء باليمين مع الشاهد إلا آخر ، فلما ملّكني الله الأمر أجْريت السُّنّة كما ينبغي . ولا تعجب لأهل بلدنا لما غمرهم من الجهالة ، ولكن ٱعجب لأبي حنيفة ليس للحَكَمين عنده خبر ، بل ٱعجب مرّتين للشافعيّ فإنه قال : الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عمّ الزوجين معاً حتى يشتبه فيه حالاهما . قال : وذلك أني وجدت الله عزّ وجلّ أذِن في نشوز الزوج بأن يصطَلِحا وأذن في خوفهما ألاّ يقيما حدود الله بالخُلْع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة . وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئاً إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خِفنا الشقاق بينهما بالحكمين دلّ على أن حكمهما غير حكم الأزواج ، فإذا كان كذلك بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، ولا يبعث الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا أو يُفرّقا إذا رأيا ذلك . وذلك يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين . قال ٱبن العربيّ : هذا منتهى كلام الشافعيّ ، وأصحابُه يفرحون به وليس فيه ما يلتفت إليه ولا يشبه نصابه في العلم ، وقد تولى الردّ عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في الأكثر . أما قوله : « الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عمّ الزوجين » فليس بصحيح بل هو نصّه ، وهي من أبين آيات القرآن وأوضحها جَلاء فإن الله تعالى قال : { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } . ومن خاف من ٱمرأته نشوزاً وعَظَها ، فإن أنابت وإلا هجرها في المَضْجَع ، فإن ٱرْعَوَتْ وإلا ضربها ، فإن ٱستمرّت في غلوائها مشى الحكمان إليهما . وهذا إن لم يكن نصّاً فليس في القرآن بيانٌ . ودَعْه لا يكون نصّاً ، يكون ظاهراً فأما أن يقول الشافعي : يشبه الظاهر فلا ندري ما الذي أشبه الظاهر ؟ . ثم قال : وأذِن في خوفهما ألاّ يقيما حدود الله بالخُلْع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة ، بل يجب أن يكون كذلك وهو نصه . ثم قال : فلما أمر بالحكمين علمنا أن حكمهما غير حكم الأزواج ، ويجب أن يكون غيره بأن ينفذ عليهما من غير اختيارهما فتتحقق الغَيْرِية . فأما إذا أنفذا عليهما ما وكّلاهما به فلم يحكما بخلاف أمرهما فلم تتحقق الغَيْرِيَة . « برضى الزوجين وتوكيلهما » فخطأٌ صُراح فإن الله سبحانه خاطب غير الزوجين إذا خاف الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين ، وإذا كان المخاطب غيرهما كيف يكون ذلك بتوكيلهما ، ولا يصح لهما حكم إلا بما ٱجتمعا عليه . هذا وجه الإنصاف والتحقيق في الردّ عليه . وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم ، وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله تعالى . وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل .