Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 56-57)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم معنى الإصلاء أوّل السورة . وقرأ حُميد بن قيس « نَصليهم » بفتح النون أي نشويهم . يقال : شاة مَصْلِية . ونصب « نَاراً » على هذه القراءة بنزع الخافض تقديره بنار . { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } يقال : نضِج الشيء نُضجاً ونَضْجاً ، وفلان نضيج الرأي مُحْكمه . والمعنى في الآية : تبدّل الجلود جلوداً أُخر . فإن قال من يطعن في القرآن من الزنادقة : كيف جاز أن يعذّب جلداً لم يَعصِه ؟ قيل له : ليس الجلد بمعذّب ولا معاقب ، وإنما الألم واقع على النفوس لأنها هي التي تُحس وتعرف فتبديل الجلود زيادة في عذاب النفوس . يدل عليه قوله تعالى : { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } وقوله تعالى : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [ الإسراء : 97 ] . فالمقصود تعذيب الأبدان وإيلام الأرواح . ولو أراد الجلود لقال : ليذقنّ العذاب مقاتل : تأكله النار كل يوم سبع مرات . الحسن : سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فعادوا كما كانوا . ابن عمر : إذا احترقوا بدّلت لهم جلود بيض كالقراطيس . وقيل : عنى بالجلود السرابيل كما قال تعالى : { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } [ إبراهيم : 49 ] { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } [ إبراهيم : 50 ] سميت جلودا للزومها جلودهم على المجاورة كما يقال للشيء الخاص بالإنسان هو جِلدة ما بين عينْيه . وأنشد ابن عمر رضي الله عنه : @ يلومونني في سالمٍ وألومهم وجِلدةُ بَيْنَ العيْن والأنف سالمُ @@ فكلما احترقت السرابيل أُعيدت . قال الشاعر : @ كسا اللؤم تَيْماً خضرةً في جلودها فويلٌ لتَيْم مِن سرابيلها الخُضْرِ @@ فكنى عن الجلود بالسرابيل . وقيل : المعنى أعدنا الجلد الأوّل جديداً كما تقول للصائغ : صُغ لي من هذا الخاتَم خاتماً غيره فيكسره ويصوغ لك منه خاتماً . فالخاتم المصوغ هو الأوّل إلا أن الصياغة تغيرت والفضة واحدة . وهذا كالنفس إذا صارت ترابا وصارت لا شيء ثم أحياها الله تعالى : وكعهدك بأخ لك صحيح ثم تراه بعد ذلك سقيماً مُدْنِفاً فتقول له : كيف أنت ؟ فيقول : أنا غير الذي عهدت . فهو هو ، ولكن حاله تغيرت . فقول القائل : أنا غير الذي عهدت ، وقوله تعالى : « غيرها » مجاز . ونظيره قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 48 ] وهي تلك الأرض بعينها إلا أنها تغير آكامها وجبالها وأنهارها وأشجارها ، ويزاد في سعتها ويسوّى ذلك منها على ما يأتي بيانه في سورة « إبراهيم » عليه السلام . ومن هذا المعنى قول الشاعر : @ فما الناسُ بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنتُ أعرفُ @@ وقال الشَّعْبي : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : ألا ترى ما صنعت عائشة ! ذمّت دهرها ، وأنشدت بيتَيْ لبيد : @ ذهب الذين يُعاش في أكنافِهم وبقِيتُ في خَلْفٍ كجلْدِ الأجربِ يتَلذّذون مجانَة ومَذلّة ويُعاب قائلهم وإن لم يَشْغَبِ @@ فقالت : رحم الله لَبِيداً فكيف لو أدرك زماننا هذا ! فقال ابن عباس : لئن ذمّت عائشة دهرها لقد ذمت « عاد » دهرها لأنه وُجِد في خِزانة « عاد » بعد ما هلكوا بزمن طويل سهم كأطول ما يكون من رماح ذلك الزمن عليه مكتوب : @ بلاد بها كُنّا ونحن بأهلها إذِ النّاسُ ناسٌ والبلادُ بِلادُ @@ البلاد باقية كما هي إلاّ أَنَّ أحوالها وأحوال أهلها تنكّرت وتغيّرت . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً } أي لا يُعجزه شيء ولا يفوته . { حَكِيماً } في إيعاده عباده . وقوله في صفة أهل الجنة : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } يعني كثيفاً لا شمس فيه . الحسن : وُصِف بأنه ظليل لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسّموم ونحو ذلك . وقال الضحاك : يعني ظلال الأشجار وظلال قصورها . الكلبي : « ظِلاً ظَلِيلاً » يعني دائماً .