Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 85-85)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأُولىٰ قوله تعالىٰ : { مَّن يَشْفَعْ } أصل الشفاعة والشّفْعة ونحوها من الشَّفْع وهو الزوج في العدد ومنه الشَّفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شَفْعا . ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين مِحْلَبَيْن في حلبةٍ واحدة . وناقة شفيع إذا ٱجتمع لها حمل وولد يتبعها . والشفع ضم واحد إلى واحد . والشُّفْعة ضم مِلْكِ الشريك إلى ملكك فالشفاعة إذاً ضَمُّ غيرك إلى جاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهارٌ لمنزلة الشفيع عند المشفِّع وإيصال المنفعة إلى المشفوع له . الثانية واختلف المتأوّلون في هذه الآية فقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم فمن يشفع لينفع فله نصيب ، ومن يشفع ليضر فله كِفْل . وقيل : الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة ، والسيئة في المعاصي . فمن شَفَع شفاعة حسنة ليصلح بين ٱثنين ٱستوجب الأجر ، ومن سعى بالنميمة والغِيبة أثم ، وهذا قريب من الأوّل . وقيل : يعني بالشفاعة الحسنة الدعاءَ للمسلمين ، والسيئةِ الدعاءَ عليهم . وفي صحيح الخبر : " من دعا بظهر الغيب استجيب له وقال الملك آمين ولك بمثل " هذا هو النصيب ، وكذلك في الشر بل يرجع شؤم دعائه عليه . وكانت اليهود تدعو على المسلمين . وقيل : المعنى من يكن شَفْعاً لصاحبه في الجهاد يكن له نصيبه من الأجر ، ومن يكن شفعاً لآخرَ في باطل يكن له نصيبه من الوِزر . وعن الحسن أيضاً : الحسنة ما يجوز في الدِّين ، والسيئة ما لا يجوز فيه . وكأنّ هذا القول جامع . والكِفل الوِزر والإثم عن الحسن وقَتادة . السدي وابن زيد هو النصيب . واشتقاقه من الكِساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط . يُقال : اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كِساء ورَكِبت عليه . ويُقال له : اكتفل لأنه لم يستعمل الظَّهْر كله بل استعمل نصيباً من الظهر . ويستعمل في النصيب من الخير والشر ، وفي كتاب الله تعالىٰ { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [ النحل : 28 ] . والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يُشَفّع لأنه تعالىٰ قال { مَّن يَشْفَعْ } ولم يقل يُشَفَّع . وفي صحيح مسلم : " ٱشْفَعُوا تُؤْجروا ولْيَقْضِ اللَّه على لسان نبيّه ما أحبّ " . الثالثة قوله تعالىٰ : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } « مقيتا » معناه مُقتدِراً ومنه قول الزبير بن عبد المطلب : @ وذي ضِغْنٍ كففْتُ النفسَ عنه وكنتُ على مَساءته مُقِيتَا @@ أي قديراً . فالمعنى إن الله تعالى يعطي كل إنسان قُوته ومنه قوله عليه السَّلام : " كفى بالمرء إثماً أن يُضَيّع من يَقيت " على من رواه هكذا ، أي مَن هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره ذكره ابن عطية . يقول منه : قُتُّه أقوته قَوْتاً ، وأَقَتُّه أقِيته أقاتة فأنا قائت ومُقيت . وحكى الكسائي : أقات يقيت . وأما قول الشاعر : @ إنّي على الحساب مُقِيتُ @@ فقال فيه الطبري : إنه من غير هذا المعنى المتقدم ، وإنه بمعنى الموقوف . وقال أبو عبيدة : المقيت الحافظ . وقال الكسائي : المقيت المقتدر . وقال النحاس : وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القَوْت ، والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان . وقال الفراء : المقيت الذي يعطي كلّ رجلٍ قوته . وجاء في الحديث : " كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يَقوت " و « يقيت » ذكره الثعلبي ، وحكى ابن فارس في المُجْمَل : المقيت المقتدر ، والمقيت الحافظ والشاهد ، وما عنده قِيتُ ليلةٍ وقوت ليلة . والله أعلم .