Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 95-96)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأُولىٰ قوله تعالىٰ : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَاعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها . ثم قال : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } والضّرَر الزَّمَانة . روى الأئمة واللفظ لأبي داود " عن زيد بن ثابت قال : كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشِيته السكينة فوقعت فخِذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فما وجدت ثِقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سُرِّي عنه فقال : « اكتب » فكتبت في كَتِف « لا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمْجَاهِدُونَ فيِ سَبِيلِ ٱللَّهِ » إلى آخر الآية فقام ابن أُم مكتوم وكان رجلاً أعمىٰ لما سمع فضيلة المجاهدين فقال : يا رسول الله ، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين ؟ فلما قضى كلامه غشِيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ، ووجدت من ثقلها في المرّة الثانية كما وجدت في المرّة الأُولىٰ ، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « ٱقرأ يا زيد » فقرأت { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَاعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } الآية كلها . قال زيد : فأنزلها الله وحدها فألحقتها والذي نفسي بيده لكأنِّي أنظر إلى ملحقها عند صَدْع في كَتِف " وفي البخارِي عن مِقسم مولى عبد الله بن الحارث أنه سمع ابن عباس يقول : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَاعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } عن بدر والخارجون إلى بدر . قال العلماء : أهل الضرر هم أهل الأعذار إذْ قد أضرّت بهم حتى منعتهم الجهاد . وصح وثبت في الخبر أنه عليه السَّلام قال وقد قفل من بعض غزواته : " إن بالمدينة رجالاً ما قطعتم وادِياً ولا سِرتم مسِيراً إلاَّ كانوا معكم أُولئك قوم حبسهم العذر " فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي فقيل : يحتمل أن يكون أجره مساوياً ، وفي فضل الله متّسع ، وثوابه فضل لا استحقاق فيثيب على النية الصادقة ما لا يثبت على الفعل . وقيل : يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله الغازي بالتضعيف للمباشرة . والله أعلم . قلت : والقول الأول أصح إن شاء الله للحديث الصحيح في ذلك « إن بالمدينة رجالاً » ولحديث أبي كبشة الأنماري قوله عليه السَّلام : " إنما الدنيا لأربعة نفر " الحديث وقد تقدم في سورة « آل عمران » . ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر : " إذا مرِض العبد قال الله تعالىٰ : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إليّ " . الثانية وقد تمسك بعض العلماء بهذه الآية بأن أهل الديوان أعظم أجراً من أهل التطوع لأن أهل الديوان لما كانوا متملكين بالعطاء ، ويصرَّفون في الشدائد ، وتروّعهم البعوث والأوامر ، كانوا أعظم من المتطوع لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوها . قال ابن محيريز : أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروّعون . قال مكحول : روعات البعوث تنفِي روعات القيامة . الثالثة وتعلق بها أيضاً من قال : إن الغِنى أفضل من الفقر لذكر الله تعالىٰ المال الذي يوصل به إلى صالح الأعمال . وقد ٱختلف الناس في هذ المسألة مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفقر مكروه ، وما أبطر من الغِنىٰ مذموم فذهب قوم إلى تفضيل الغنى ، لأن الغني مقتدر والفقير عاجز ، والقدرة أفضل من العجز . قال الماوردِيّ : وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة . وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر ، لأن الفقير تارك والغني ملابس ، وترك الدنيا أفضل من ملابستها . قال الماوردِيّ : وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة . وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الأمرين بأن يخرج عن حدّ الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين ، وليسلم من مذمة الحالين . قال الماورديّ : وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وأن : " خير الأُمور أوسطها " ولقد أحسن الشاعر الحكيم حيث قال : @ ألا عائذا باللَّه من عدم الغِنى ومن رغبةٍ يوما إلى غير مرغب @@ الرابعة قوله تعالىٰ : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } قراءة أهل الكوفة وأبو عمرو { غَيْرُ } بالرفع قال الأخفش : هو نعت للقاعدين لأنهم لم يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير والمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر . والمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء قاله الزجاج . وقرأ أبو حيوة « غيرِ » جعله نعتاً للمؤمنين أي من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر من المؤمنين الأصحاء . وقرأ أهل الحرمين « غير » بالنصب على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين أي إلاَّ أولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين . وإن شئت على الحال من القاعدين أي لا يستوي القاعدون من الأصحاء أي في حال صحتهم وجازت الحال منهم لأن لفظهم لفظ المعرفة ، وهو كما تقول : جاءني زيد غير مريض . وما ذكرناه من سبب النزول يدل على معنى النصب ، والله أعلم . الخامسة قوله تعالىٰ : { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } وقد قال بعد هذا : { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً } فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد . وقيل : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أُولي الضرر بدرجة واحدة ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات قاله ابن جريج والسدي وغيرهما . وقيل : إن معنى درجة علوّ ، أي أعلىٰ ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ . فهذا معنى درجة ، ودرجات يعني في الجنة . قال ابن محيرِيز : سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرِس الجواد سبعين سنة . و { دَرَجَاتٍ } بدل من أجر وتفسير له ، ويجوز نصبه أيضاً على تقدير الظرف أي فضلهم بدرجات ، ويجوز أن يكون توكيداً لقوله : { أَجْراً عَظِيماً } لأن الأجر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة ، ويجوز الرفع أي ذلك درجات . و « أجرا » نصب بـ « فضل » وإن شئت كان مصدراً وهو أحسن ، ولا ينتصب بـ { فَضَّلَ } لأنه قد استوفى مفعوليه وهما قوله { ٱلْمُجَاهِدِينَ } و { عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ } وكذا « درجة » . فالدرجات منازل بعضها أعلى من بعض . وفي الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة مائة درجةٍ أعدّها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " { وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } { وَكُـلاًّ } منصوب بـ { وَعَدَ } و { ٱلْحُسْنَىٰ } الجنة أي وعد الله كلا الحسنى . ثم قيل : المراد بكل المجاهدون خاصة . وقيل : المجاهدون وأُولو الضرر . والله أعلم .