Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 9-9)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأُولى قوله تعالى : { وَلْيَخْشَ } حذفت الألف من « ليخش » للجزم بالأمر ، ولا يجوز عند سيبويه إضمار لام الأمر قياساً على حروف الجر إلا في ضرورة الشعر . وأجاز الكوفيون حذف اللام مع الجزم وأنشد الجميع : @ محمدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفس إذا ما خِفْتَ مِنْ شيء تَبَالا @@ أراد لتفْدِ ، ومفعول « يَخْشَ » محذوف لدلالة الكلام عليه . و { خَافُواْ } جواب « لو » . التقدير لو تركوا لخافوا . ويجوز حذف اللام في جواب « لو » . وهذه الآية قد اختلف العلماء في تأويلها فقالت طائفة : هذا وعظٌ للأوصياء ، أي ٱفعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم قاله ابن عباس . ولهذا قال الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } . وقالت طائفة : المراد جميع الناس ، أمرهم بٱتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم . وأن يُسدّدوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يُفعَل بولده بعده . ومِن هذا ما حكاه الشيبانيّ قال : كنا على قُسْطَنْطِينِيّة في عسكر مَسْلمة بن عبد الملك ، فجلسنا يوماً في جماعة من أهل العلم فيهم ٱبن الدَّيْلَمِيّ ، فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان . فقلت له : يا أبا بِشر ، وُدّي ألاّ يكون لي ولد . فقال لي : ما عليك ٰ ما من نَسَمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت ، أحَبّ أو كَرِه ، ولكن إذا أردت أن تأمن عليهم فٱتق الله في غيرهم ثم تلا الآية . وفي رواية : ألاَ أدلّك على أمر إن أنت أدركته نجّاك الله منه ، وإن تركت ولداً من بعدك حفظهم الله فيك ؟ فقلت : بلى ٰ فتلا هذه الآية { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ } إلى آخرها . قلت : ومن هذا المعنى ما روى محمد بن كعب القُرَظيّ عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " من أحسن الصدقةَ جاز على الصراط ومن قضى حاجة أرْمَلة أخلف الله في ترِكَته " وقول ثالث قاله جمع من المفسرين : هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له مَن بحضرته عند وصيته : إن الله سيرزق ولدك فٱنظر لنفسك ، وأوص بمالك في سبيل الله ، وتصدّق وأعتق . حتى يأتي على عامّة ماله أو يستغرقه فيضر ذلك بورثته فنُهوا عن ذلك . فكأن الآية تقول لهم : كما تخشون على ورثتكم وذرّيتكم بعدكم ، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : إذا حضر الرجل الوصية فلا ينبغي أن يقول أوصِ بمالك فإن الله تعالى رازق ولدك ، ولكن يقول قدّم لنفسك واترك لولدك فذلك قوله تعالى : { فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ } . وقال مِقسم وحضرمِيّ : نزلت في عكس هذا ، وهو أن يقول للمحتضَر من يحضره : أمسك على ورثتك ، وأبقِ لولدك فليس أحد أحق بمالك من أولادك ، وينهاه عن الوصية ، فيتضرر بذلك ذوو القربى وكل من يستحق أن يوصى له فقيل لهم : كما تخشون على ذرّيتكم وتسرون بأن يحسن إليهم ، فكذلك سدّدوا القول في جهة المساكين واليتامى ، واتقوا الله في ضررهم . وهذان القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث روي عن سعيد بن جبير وابن المسيب . قال ابن عطية : وهذان القولان لا يطّرد واحد منهما في كل الناس ، بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد ، ولآخر القول الثاني . وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدّم لنفسه . وإذا ترك ورثة ضعفاء مهملين مقِلّين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإنّ أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين ، فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يُمال معه . قلت : وهذا التفصيل صحيح " لقوله عليه السلام لسعد : « إنك أن تَذَرْ ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس » " فإن لم يكن للإنسان ولد ، أو كان وهو غنيّ مستقل بنفسه وماله عن أبيه فقد أمِن عليه فالأَولى بالإنسان حينئذٍ تقديم ماله بين يديه حتى لا ينفقه من بعده فيما لا يصلح ، فيكون وزره عليه . الثانية قوله تعالى : { وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } السديد : العدل والصواب من القول أي مُرُوا المريض بأن يُخرج من ماله ما عليه من الحقوق الواجبة ، ثم يوصي لقرابته بقدر مّا لا يضر بورثته الصغار . وقيل : المعنى قولوا للميت قولاً عدلاً ، وهو أن يلقِّنه بلا إله إلا الله ، لا يأمره بذلك ، ولكن يقول ذلك في نفسه حتى يسمع منه ويتلقّن . هكذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتاكم لا إلۤه إلا الله " ولم يقل مُروهم لأنه لو أمر بذلك لعله يغضب ويجحد . وقيل : المراد اليتيم أن لا ينهروه ولا يستخفوا به .