Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 5-9)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل . { وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } أي والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمَن بعدهم . { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي ليحبسوه ويعذبوه . وقال قتادة والسدّي : ليقتلوه . والأخذ يرِد بمعنى الإهلاك كقوله : { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الحج : 44 ] . والعرب تسمي الأسير الأخيذ لأنه مأسور للقتل وأنشد قطرب قول الشاعر : @ فإمّا تأخُذونِي تَقْتُلونِي فكَمْ مِنْ آخِذٍ يَهْوَى خُلودِي @@ وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان : أحدهما عند دعائه لهم . الثاني عند نزول العذاب بهم . { وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي ليزيلوا . ومنه مكان دَحْض أي مَزْلَقة ، والباطل داحض لأنه يزلق ويزل فلا يستقر . قال يحيـى بن سلاّم : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان . { فَأَخَذْتُهُمْ } أي بالعذاب . { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي عاقبة الأمم المكذبة . أي أليس وجدوه حقاً . قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ } أي وجبت ولزمت مأخوذ من الحق لأنه اللازم . { كَلِمَةُ رَبِّكَ } هذه قراءة العامة على التوحيد . وقرأ نافع وابن عامر : « كَلِمَاتُ » جمعاً . { عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ } قال الأخفش : أي لأنهم وبأنهم . قال الزجاج : ويجوز إنهم بكسر الهمزة . { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } أي المعذَّبون بها وتم الكلام . ثم ابتدأ فقال : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } ويروى : أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم . ففي الحديث : " أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة " ويقال : خلق الله العرش من جوهرة خضراء ، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام . وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهلِّلين مكبِّرين ، ومن ورائهم سبعون ألف صفّ قيام ، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم ، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير ، ومن ورائهم مائة ألف صفّ ، قد وضعوا الأيمان على الشمائل ، ما منهم أحد إلا وهو يسبّح بما لا يسبّح به الآخر . وقرأ ابن عباس : « الْعُرْشُ » بضم العين ذكر جميعه الزمخشري رحمه الله . وقيل : اتصل هذا بذكر الكفار لأن المعنى والله أعلم { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } ينزهون الله عز وجل عما يقوله الكفار { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } أي يسألون لهم المغفرة من الله تعالى . وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير ، وأنه جسم مُجَسَّم خلقه الله عز وجل ، وأمر ملائكة بحمله ، وتَعبَّدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتاً وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة . وروى ابن طَهْمان ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام " ذكره البيهقي وقد مضى في « البقرة » في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات . وروى ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن كعب الأحبار أنه قال : لما خلق الله تعالى العرش قال : لن يخلق الله خلقاً أعظم مني فاهتز فطوّقه الله بحية ، للحية سبعون ألف جناح ، في الجناح سبعون ألف ريشة ، في كل ريشة سبعون ألف وجه ، في كل وجه سبعون ألف فم ، في كل فم سبعون ألف لسان . يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر ، وعدد ورق الشجر ، وعدد الحصى والثرى ، وعدد أيام الدنيا ، وعدد الملائكة أجمعين ، فالتَوَت الحية بالعرش ، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به . وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، حجاب نور وحجاب ظُلْمة ، وحجاب نور وحجاب ظلمة . { رَبَّنَا } أي يقولون { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير . { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ } أي من الشرك والمعاصي { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } أي دين الإسلام . { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم . قال إبراهيم النخعي : كان أصحاب عبد الله يقولون الملائكة خير من ابن الكَوَّاء هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكَوَّاء يشهد عليهم بالكفر ، قال إبراهيم : وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة . وقال مطرِّف بن عبد الله : وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان ، وتلا هذه الآية . وقال يحيـى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية : افهموها فما في العالم جنة أرجى منها إن مَلَكاً واحداً لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم ، كيف وجميع الملائكة وحَمَلة العرش يستغفرون للمؤمنين . وقال خلف بن هشام البزار القارىء : كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } بكى ثم قال : يا خلف ! ما أكرم المؤمن على الله نائماً على فراشه والملائكة يستغفرون له . قوله تعالى : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ } يروى أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار : ما جنات عدن . قال : قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل . { ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } « التي » في محل نصب نعتاً للجنات . { وَمَن صَـلَحَ } « مَنْ » في محل نصب عطفاً على الهاء والميم في قوله : « وَأَدْخِلْهُمْ » . « وَمَنْ صَلَحَ » بالإيمان { مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } وقد مضى في « الرعد » نظير هذه الآية . قال سعيد بن جُبير : يدخل الرجل الجنة ، فيقول : يا رب أين أبي وجدّي وأمي ؟ وأين ولدي وولد ولدي ؟ وأين زوجاتي ؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك فيقول : يا رب كنت أعمل لي ولهم فيقال أدخلوهم الجنة . ثم تلا : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } إلى قوله : { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } . ويقرب من هذه الآية قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الطور : 21 ] . قوله تعالى : { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ } قال قتادة : أي وقهم ما يسوءهم ، وقيل : التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أَمْرٌ من وقاه الله يقيه وقاية بالكسر أي حفظه . { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي بدخول الجنة { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي النجاة الكبيرة .