Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 52-54)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ } أي قل لهم يا محمد « أَرَأَيْتُمْ » يا مَعْشَرَ المشركين { إِن كَانَ } هذا القرآن { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ } أي فأي الناس أضل ، أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم . وقيل : قوله : { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } يرجع إلى الكتاب المذكور في قوله : « آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ » والأوّل أظهر وهو قول ابن عباس . قوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ } أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا « فِي الآفَاقِ » يعني خراب منازل الأمم الخالية { وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } بالبلايا والأمراض . وقال ابن زيد : « فِي الآفَاقِ » آيات السماء « وَفِي أَنْفُسِهِمْ » حوادث الأرض . وقال مجاهد : « فِي الآفَاقِ » فتح القرى فيسر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموماً ، وفي ناحية المغرب خصوصاً من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم ، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم ، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم ، وإجرائه على أيديهم أموراً خارجة عن المعهود خارقة للعادات « وَفِي أَنْفُسِهِمْ » فتح مكة . وهذا اختيار الطبري . وقاله المنهال بن عمرو والسدي . وقال قتادة والضحاك : « فِي الآفَاقِ » وقائع الله في الأمم « وَفِي أَنْفُسِهِمْ » يوم بدر . وقال عطاء وابن زيد أيضاً « فِي الآفَاقِ » يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها . وفي الصحاح : الآفاق النواحي ، واحدها أُفْقٌ وَأفُقٌ مثل عُسْر وعُسُر ، ورجل أَفَقى بفتح الهمزة والفاء : إذا كان من آفاق الأرض . حكاه أبو نصر . وبعضهم يقول : أفُقيّ بضمهما وهو القياس . وأنشد غير الجوهري : @ أخَذْنَا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ لنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ @@ « وَفِي أَنْفُسِهِمْ » من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين ، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام ، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة . وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه . وقيل : { وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } من كونهم نطفاً إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدّم في « المؤمنون » بيانه . وقيل : المعنى سيرَوْن ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيوب { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } فيه أربعة أوجه : أحدها أنه القرآن . والثاني الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه . والثالث أن ما يريهم الله ويفعل من ذلك هو الحق . والرابع أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الرسول الحق . { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ } في موضع رفع بأنه فاعل بـ « ـيَكْفِ » و { أَنَّهُ } بدل من « رَبِّكَ » فهو رفع إن قدّرته بدلاً على الموضع ، وجَرّ إن قدرته بدلاً على اللفظ . ويجوز أن يكون نصباً بتقدير حذف اللام ، والمعنى أولم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيده لأنه { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } وإذا شهده جازى عليه . وقيل : المعنى « أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ » في معاقبته الكفار . وقيل : المعنى « أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ » يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار . وقيل : « أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ » شاهداً على أن القرآن من عند الله . وقيل : « أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ » مما يفعله العبد « شَهِيدٌ » والشهيد بمعنى العالم أو هو من الشهادة التي هي الحضور { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ } في شك { مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } في الآخرة . وقال السدي : أي من البعث . { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ } أي أحاط علمه بكل شيء . قاله السدي . وقال الكلبي : أحاطت قدرته بكل شيء . وقال الخطابي : هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه ، وهو الذي أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً . وهذا الاسم أكثر ما يجيء في معرض الوعيد ، وحقيقته الإحاطة بكل شيء ، واستئصال المحاط به ، وأصله مُحْيِطْ نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكنت . يقال منه : أحاط يحيط إحاطة وحيطة ومن ذلك حائط الدار ، يحوطها أهلها . وأحاطت الخيل بفلان : إذا أخِذ مأخذاً حاصراً من كل جهة ، ومنه قوله تعالى : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [ الكهف : 42 ] والله أعلم بصواب ذلك .