Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-52)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } لمّا أعلم النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه منتقم له من عدوّه وأقام الحجة بٱستشهاد الأنبياء وٱتفاق الكل على التوحيد أكّد ذلك بقصة موسى وفرعون ، وما كان من فرعون من التكذيب ، وما نزل به وبقومه من الإغراق والتكذيب أي أرسلنا موسى بالمعجزات وهي التسع الآيات فَكُذِّب فجعلت العاقبة الجميلة له ، فكذلك أنت . ومعنى : { يَضْحَكُونَ } استهزاءً وسخرية يوهمون أتباعهم أن تلك الآيات سحر وتخييل ، وأنهم قادرون عليها . وقوله : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أي كانت آيات موسى من كبار الآيات ، وكانت كل واحدة أعظمَ مما قبلها . وقيل : « إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا » لأن الأولى تقتضي علماً والثانية تقتضي علماً ، فتُضَمّ الثانية إلى الأولى فيزداد الوضوح ، ومعنى الأُخوّة المشاكلة والمناسبة كما يقال : هذه صاحبة هذه أي هما قريبتان في المعنى . { وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ } أي على تكذيبهم بتلك الآيات وهو كقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } [ الأعراف : 130 ] . والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع . وكانت هذه الآيات الأخيرة عذاباً لهم وآياتٍ لموسى . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } من كفرهم . { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلسَّاحِرُ } لما عاينوا العذاب قالوا يأيها الساحر نَادَوْهُ بما كانوا ينادونه به من قبل ذلك على حسب عادتهم . وقيل : كانوا يسمّون العلماء سحرة فنادوه بذلك على سبيل التعظيم . قال ابن عباس : « يَأَيُّهَا السَّاحِرُ » يأيها العالم ، وكان الساحر فيهم عظيماً يُوقّرونه ولم يكن السحر صفةَ ذم . وقيل : يأيها الذي غَلَبَنَا بسحره يقال : ساحرته فسحرته أي غلبته بالسحر كقول العرب : خاصمته فخصمته أي غلبته بالخصومة ، وفاضلته ففضلته ، ونحوها . ويحتمل أن يكون أرادوا به الساحر على الحقيقة على معنى الاستفهام ، فلم يَلُمْهم على ذلك رجاء أن يؤمنوا . وقرأ ابن عامر وأبو حَيْوَة ويحيى بن وَثّاب « أيُّهُ الساحر » بغير ألف والهاء مضمومة وعلّتها أن الهاء خُلطت بما قبلها وألزمت ضم الياء الذي أوجبه النداء المفرد . وأنشد الفرّاء : @ يأيُّهُ القلبُ اللَّجُوج النفس أفق عن البيض الحسانِ اللُّعْسِ @@ فضم الهاء حملاً على ضم الياء وقد مضى في « النور » معنى هذا . ووقف أبو عمرو وٱبن أبي إسحاق ويحيى والكسائي « أيها » بالألف على الأصل . الباقون بغير ألف لأنها كذلك وقعت في المصحف . { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي بما أخبرنا عن عهده إليك إنا إن آمنا كشف عنا فسله يكشف عنا { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } أي فيما يستقبل . { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } أي فدعا فكشفنا . { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } أي ينقضون العهد الذي جعلوه على أنفسهم فلم يؤمنوا . وقيل : قولهم « إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ » إخبار منهم عن أنفسهم بالإيمان فلما كشف عنهم العذاب ارتدّوا . قوله تعالى : { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } قيل : لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إليه فجمع قومه فقال فنادى بمعنى قال قاله أبو مالك . فيجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك فيما بينهم ثم ينشر عنه في جموع القبط وكأنه نودي به بينهم . وقيل : إنه أمر من ينادي في قومه قاله ٱبن جريج . { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ } أي لا ينازعني فيه أحد . قيل : إنه ملك منها أربعين فرسخاً في مثلها حكاه النقاش . وقيل : أراد بالملك هنا الإسكندرية . { وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } يعني أنهار النيل ، ومعظمها أربعة : نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تِنّيس . قال قتادة : كانت جناناً وأنهاراً تجري من تحت قصوره . وقيل : من تحت سريره . وقيل : « مِنْ تَحْتِي » أي تصرفي نافذ فيها من غير صانع . وقيل : كان إذا أمسك عنانه أمسك النيل عن الجَرْي . قال القشيريّ : ويجوز ظهور خوارق العادة على مدّعي الرُّبُوبية إذ لا حاجة في تمييز الإلٰه من غير الإلٰه إلى فعلٍ خارق للعادة . وقيل : معنى « وَهَذِهِ اْلأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي » أي القوّاد والرؤساء والجبابرة يسيرون تحت لوائي قاله الضحاك . وقيل : أراد بالأنهار الأموال ، وعبّر عنها بالأنهار لكثرتها وظهورها . وقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } أي أفرّقها على مَن يتبعني لأن الترغيب والقدرة في الأموال دون الأنهار . { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } عظمتي وقوّتي وضَعْف موسى . وقيل قدرتي على نفقتكم وعجز موسى . والواو في « وَهَذِهِ » يجوز أن تكون عاطفة للأنهار على « مُلْكُ مِصْرَ » و « تَجْرِي » نصب على الحال منها . ويجوز أن تكون واو الحال ، وٱسم الإشارة مبتدأ ، و « اْلأَنْهَارُ » صفة لاْسم الإشارة ، و « تَجْرِي » خبر للمبتدأ . وفتح الياء من « تَحْتِيَ » أهل المدينة والبَزِّي وأبو عمرو ، وأسكن الباقون . وعن الرشيد أنه لما قرأها قال : لأُوَلِّيَنَّهَا أحسن عبيدي ، فولاَّها الخَصيبَ ، وكان على وضوئه . وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها فلما شارفها ووقع عليها بصره قال : أهذه القرية التي ٱفتخر بها فرعون حتى قال : « أَلَيْسَ لِي مُلْك مِصْرَ » ؟ ٰ والله لهي عندي أقلّ من أن أدخلهاٰ فثنى عِنانه . ثم صرح بحاله فقال : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } قال أبو عبيدة والسُّدِّي « أَمْ » بمعنى « بل » وليست بحرف عطف على قول أكثر المفسرين . والمعنى : قال فرعون لقومه بل أنا خير { مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } أي لا عِزّ له فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يعني ما كان في لسانه من العقدة على ما تقدّم في « طه » . وقال الفراء : في « أَمْ » وجهان : إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وإن شئت جعلتها نَسَقاً على قوله : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ } . وقيل : هي زائدة . وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون « أَمْ » زائدة والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين . وقال الأخفش : في الكلام حذف ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون كما قال : @ أيا ظَبْيَةَ الوَعْساء بين جُلاجِلٍ وبين النَّقا آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ @@ أي أنت أحسن أم أمّ سالم . ثم ٱبتدأ فقال : « أَنَا خَيْرٌ » . وقال الخليل وسيبويه : المعنى « أَفَلاَ تُبْصِرُونَ » ، أم أنتم بصراء ، فعطف بـ « ـأم » على « أَفَلاَ تُبْصِرُونَ » لأن معنى « أَمْ أَنَا خَيْرٌ » أم أي تبصرون وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء . وروي عن عيسى الثَّقفِيّ ويعقوب الحضرميّ أنهما وقفا على « أم » على أن يكون التقدير أفلا تبصرون أم تبصرون فحذف تبصرون الثاني . وقيل من وقف على « أم » جعلها زائدة ، وكأنه وقف على « تُبْصِرُونَ » من قوله : { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } . ولا يتم الكلام على « تُبْصِرُونَ » عند الخليل وسيبويه لأن « أم » تقتضي الاتصال بما قبلها . وقال قوم : الوقف على قوله : { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ثم ٱبتدأ « أَمْ أَنَا خَيْرٌ » بمعنى بل أنا وأنشد الفرّاء : @ بدت مثل قَرْن الشمس في رَوْنَقِ الضحى وصورتِها أم أنتِ في العين أمْلَحُ @@ فمعناه : بل أنتِ أملح . وذكر الفرّاء أن بعض القراء قرأ « أَمَا أَنَا خَيْرٌ » ومعنى هذا ألست خيراً . وروي عن مجاهد أنه وقف على « أم » ثم يبتدىء « أَنَا خَيْرٌ » وقد ذُكر .