Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-15)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سبع مسائل : الأولى قوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } بيّن ٱختلاف حال الإنسان مع أبويه ، فقد يطيعهما وقد يخالفهما أي فلا يبعد مثل هذا في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم وقومه حتى يستجيب له البعض ويكفر البعض . فهذا وجه ٱتصال الكلام بعضه ببعض قاله القشيريّ . الثانية قوله تعالى : « حُسْناً » قراءة العامة « حُسْناً » وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام . وقرأ ابن عباس والكوفيون « إحْسَاناً » وحجتهم قوله تعالى في سورة الأنعام وبني إسرائيل : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 3 2 ] وكذا هو في مصاحف الكوفة . وحجة القراءة الأولى قوله تعالى في سورة العنكبوت : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [ العنكبوت : 8 ] ولم يختلفوا فيها . والحُسْن خلاف القُبْح . والإحسان خلاف الإساءة . والتوصية الأمر . وقد مضى القول في هذا وفيمن نزلت . الثالثة قوله تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي بكره ومشقة . وقراءة العامة بفتح الكاف . وٱختاره أبو عبيد ، قال : وكذلك لفظ الكره في كل القرآن بالفتح إلا التي في سورة البقرة : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 216 ] لأن ذلك ٱسم وهذه كلها مصادر . وقرأ الكوفيون « كُرْهاً » بالضم . قيل : هما لغتان مثل الضُّعْف والضَّعْف والشُّهْد والشَّهْد قاله الكسائي ، وكذلك هو عند جميع البصريين . وقال الكسائيّ أيضاً والفرّاء في الفرق بينهما : إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه ، وبالفتح ما حمل على غيره أي قهراً وغضباً ولهذا قال بعض أهل العربية إن كرهاً بفتح الكاف لحن . الرابعة قوله تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } قال ابن عباس : إذا حملت تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهراً ، وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهراً . وروي أن عثمان قد أتِي بٱمرأة قد ولدت لستة أشهر فأراد أن يقضي عليها بالحدّ فقال له عليّ رضي الله عنه : ليس ذلك عليها ، قال الله تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } وقال تعالى : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] فالرضاع أربعة وعشرون شهراً والحمل ستة أشهر ، فرجع عثمان عن قوله ولم يحدّها . وقد مضى في « البقرة » . وقيل : لم يعدّ ثلاثة أشهر في ٱبتداء الحمل لأن الولد فيها نطفة وعلقة ومضغة فلا يكون له ثقل يحس به ، وهو معنى قوله تعالى : { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ } [ الأعراف : 189 ] . والفِصال الفطام . وقد تقدّم في « لقمان » الكلام فيه . وقرأ الحسن ويعقوب وغيرهما « وفَصْله » بفتح الفاء وسكون الصاد . وروي أن الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق ، وكان حمله وفصاله في ثلاثين شهراً ، حملته أمه تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين شهراً . وفي الكلام إضمار أي ومدّة حمله ومدّة فصاله ثلاثون شهراً ولولا هذا الإضمار لنصب ثلاثون على الظرف وتغيّر المعنى . الخامسة قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } قال ٱبن عباس : ثماني عشرة سنة . وقال في رواية عطاء عنه : إن أبا بكر صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ٱبن ثماني عشرة سنة والنبيّ صلى الله عليه وسلم ٱبن عشرين سنة ، وهم يريدون الشام للتجارة ، فنزلوا منزلاً فيه سدرة ، فقعد النبيّ صلى الله عليه وسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك فسأله عن الدِّين . فقال الراهب : مَن الرجل الذي في ظل الشجرة ؟ فقال : ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . فقال : هذا والله نبيّ ، وما ٱستظل أحد تحتها بعد عيسى . فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق وكان لا يكاد يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضرِه . فلما نُبىءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ٱبن أربعين سنة ، صدّق أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ٱبن ثماني وثلاثين سنة . فلما بلغ أربعين سنة قال : « رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى وَالِدَيَّ » الآية . وقال الشعبيّ وابن زيد : الأشدّ الحلم . وقال الحسن : هو بلوغ الأربعين . وعنه قيام الحجة عليه . وقد مضى في « الأنعام » الكلام في الآية . وقال السّدّي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص . وقد تقدّم . وقال الحسن : هي مرسلة نزلت على العموم . والله أعلم . السادسة قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } أي ألهمني . { أَنْ أَشكُرَ } في موضع نصب على المصدر أي شكر نعمتك { عَلَيَّ } أي ما أنعمت به عليّ من الهداية { وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } بالتحنن والشفقة حتى ربّياني صغيراً . وقيل : أنعمت عليّ بالصحة والعافية وعلى والديّ بالغنى والثروة . وقال عليّ رضي الله عنه : هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره ، فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده . ووالده هو أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم . وأمّه أمّ الخير ، واسمها سَلْمَى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد . وأم أبيه أبي قحافة « قَيْلة » بالياء المعجمة باثنتين من تحتها . وٱمرأة أبي بكر الصدّيق ٱسمها « قُتيلة » بالتاء المعجمة باثنتين من فوقها بنت عبد العزى . { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } قال ابن عباس : فأجابه الله فأعتق تسعة من المؤمنين يعذَّبون في الله منهن بلال وعامر بن فُهيرة ولم يدَع شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه . وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائماً » ؟ قال أبو بكر أنا . قال : « فمن تبع منكم اليوم جنازة » ؟ قال أبو بكر أنا . قال : « فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً » ؟ قال أبو بكر أنا . قال : « فمن عاد منكم اليوم مريضاً » ؟ قال أبو بكر أنا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما ٱجتمعن في ٱمرىء إلا دخل الجنة » " . السابعة قوله تعالى : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } أي ٱجعل ذرّيتي صالحين . قال ابن عباس : فلم يبق له ولد ولا والد ولا والدة إلا آمنوا بالله وحده . ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبواه وأولاده وبناته كلهم إلا أبو بكر . وقال سهل بن عبد الله : المعنى ٱجعلهم لي خَلَف صِدق ، ولك عبيدَ حق . وقال أبو عثمان : ٱجعلهم أبراراً لي مطيعين لك . وقال ٱبن عطاء : وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم . وقال محمد بن علي : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلاً . وقال مالك بن مِقول : ٱشتكى أبو معشر ٱبنَه إلى طلحة بن مُصَرِّف فقال : ٱستعن عليه بهذه الآية وتلا : { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } قال ابن عباس : رجعت عن الأمر الذي كنت عليه . { وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي المخلصين بالتوحيد .