Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 22-25)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا } فيه وجهان : أحدهما لتزيلنا عن عبادتها بالإفك . الثاني لتصرفنا عن آلِهتنا بالمنع قاله الضحاك . قال عُرْوة بن أُذَيْنة : @ إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فُوكاً ففي آخرين قد أفِكوا @@ يقول : إن لم توفَّق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا . { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } هذا يدل على أن الوعد قد يوضع موضع الوعيد . { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } أنك نبيّ { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ } بوقت مجيء العذاب . { عِندَ ٱللَّهِ } لا عندي { وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ } عن ربكم . { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } في سؤالكم ٱستعجال العذاب . { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً } قال المبرد : الضمير في « رَأَوْهُ » يعود إلى غير مذكور وبيّنه قولُه : « عَارِضاً » فالضمير يعود إلى السحاب أي فلما رأوا السحاب عارضاً . فـ « ـعارضاً » نصب على التكرير سُمِّي بذلك لأنه يبدو في عرض السماء . وقيل : نصب على الحال . وقيل : يرجع الضمير إلى قوله : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } فلما رأوه حسبوه سحاباً يمطرهم ، وكان المطر قد أبطأ عنهم ، فلما رأوه « مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ » ٱستبشروا . وكان قد جاءهم من وادٍ جرت العادة أن ما جاء منه يكون غَيْثاً قاله ابن عباس وغيره . قال الجوهري : والعارض السحاب يعترض في الأفق ومنه قوله تعالى : { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أي ممطر لنا لأنه معرفة لا يجوز أن يكون صفة لعارض وهو نكرة . والعرب إنما تفعل مثل هذا في الأسماء المشتقة من الأفعال دون غيرها . قال جرير : @ يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يطلبكم لاقى مباعدةً منكم وحِرْمَانَا @@ ولا يجوز أن يقال : هذا رجل غلامنا . وقال أعرابي بعد الفطر : رُبَّ صائمة لن تصومه ، وقائمة لن تقومه فجعله نعتاً للنكرة وأضافه إلى المعرفة . قلت : قوله : « لا يجوز أن يكون صفة لعارض » خلاف قول النحويين ، والإضافة في تقدير الاْنفصال ، فهي إضافة لفظية لا حقيقية لأنها لم تفد الأوّل تعريفاً ، بل الاْسم نكرة على حاله فلذلك جرى نعتاً على النكرة . هذا قول النحويين في الآية والبيت . ونعت النكرة نكرة . و « رُبّ » لا تدخل إلا على النكرة . { بَلْ هُوَ } أي قال هود لهم . والدليل عليه قراءة من قرأ « قال هود بل هو » وقرىء « قُلْ بَلْ مَا ٱسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ هِيَ رِيحٌ » أي قال الله : قل بل هو ما ٱستعجلتم به يعني قولهم : « فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا » ثم بين ما هو فقال : { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه ، وخرج هود من بين أظهرهم ، فجعلت تحمل الفساطيط وتحمل الظَّعِينة فترفعها كأنها جرادة ، ثم تضرب بها الصخور . قال ابن عباس : أوّل ما رأوا العارض قاموا فمدّوا أيديهم ، فأوّل ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجاً من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش ، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم ، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم ، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال ، فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، ولهم أنين ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر فهي التي قال الله تعالى فيها : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } أي كل شيء مرت عليه من رجال عادٍ وأموالها . قال ابن عباس : أي كل شيء بُعثت إليه ، والتدمير : الهلاك . وكذلك الدمار . وقرىء « يَدْمُرُ كُلّ شَيْء » من دَمَر دماراً . يقال : دَمره تدميراً ودماراً ودَمّر عليه بمعنًى . ودَمَر يَدْمُر دُموراً دخل بغير إذن . وفي الحديث : " من سبق طَرْفُه استئذانه فقد دَمَر " مخفف الميم . وتَدْمُر : بلد بالشام . ويَرْبُوع تَدْمُرِيّ إذا كان صغيراً قصيراً . { بِأَمْرِ رَبِّهَا } بإذن ربها . وفي البخاري " عن عائشة رضي الله عنها زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى أرى منه لَهَواتِه إنما كان يتبسم . قالت : وكان إذا رأى غَيْماً أو رِيحاً عُرف في وجهه . قالت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : « يا عائشة ما يُؤَمِّنُنِي أن يكون فيه عذاب عُذِّب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا » " خرجه مسلم والترمذيّ ، وقال فيه : حديث حسن . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصِرت بالصَّبا وأهلِكت عادٌ بالدبور " وذكر الماورديّ أن القائل « هَذَا عَارِض مُمْطِرُنَا » من قوم عاد : بكر بن معاوية ولما رأى السحاب قال : إني لأرى سحاباً مرمداً ، لا تدع من عاد أحداً . فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم . قال ابن إسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما يُلين أعلى ثيابهم . وتلتذ الأنفس به وإنها لتمرّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدْمَغُهُم بالحجارة حتى هلكوا . وحكى الكلبيّ أن شاعرهم قال في ذلك : @ فدعا هود عليهم دعوةً أضحَوْا همودا عصفت ريح عليهم تركت عاداً خمودا سخّرت سبع ليال لم تدع في الأرض عودا @@ وعَمَّر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة . { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } قرأ عاصم وحمزة « لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ » بالياء غير مسمى الفاعل . وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثِير إلا أنه قرأ « ترى » بالتاء . وقد روي ذلك عن أبي بكر عن عاصم . الباقون « ترى » بتاء مفتوحة . « مَسَاكِنَهُم » بالنصب أي لا ترى يا محمد إلا مساكنهم . قال المهدوِيّ : ومن قرأ بالتاء غير مسمى الفاعل فعلى لفظ الظاهر الذي هو المساكن المؤنثة وهو قليل لا يستعمل إلا في الشعر . وقال أبو حاتم : لا يستقيم هذا في اللغة إلا أن يكون فيها إضمار كما تقول في الكلام ألا تُرى النساء إلا زينب . ولا يجوز لا ترى إلا زينب . وقال سيبويه : معناه لا ترى أشخاصهم إلا مساكنهم . وٱختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة عاصم وحمزة . قال الكسائي : معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم ، فهو محمول على المعنى كما تقول : ما قام إلا هند ، والمعنى ما قام أحد إلا هند . وقال الفرّاء : لا يرى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل ، وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة . { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين .