Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 35-35)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } قال ابن عباس : ذوو الحزم والصبر قال مجاهد : هم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وهم أصحاب الشرائع . وقال أبو العالية : إن أولي العزم : نوح ، وهود ، وإبراهيم . فأمر الله عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم . وقال السدّي : هم ستة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين . وقيل : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى وهم المذكورون على النسق في سورة « الأعراف والشعراء » . وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه مدّة . وإبراهيم صبر على النار . وإسحاق صبر على الذبح . ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر . ويوسف صبر على البئر والسجن . وأيوب صبر على الضرّ . وقال ابن جُريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم . وقال الشعبيّ والكلبيّ ومجاهد أيضاً : هم الذين أمِروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة . وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة « الأنعام » وهم ثمانية عشر : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . واختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] . وقال ابن عباس أيضاً : كل الرسل كانوا أولي عزم . واختاره عليّ بن مهدي الطبريّ ، قال : وإنما دخلت « من » للتجنيس لا للتبعيض كما تقول : اشتريت أردية من البَزّ وأكسية من الخز . أي اصبر كما صبر الرسل . وقيل : كل الأنبياء أولو عَزْم إلا يونس بن متى ألا ترى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يكون مثله لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولّى مُغاضِباً لقومه ، فابتلاه الله بثلاث : سلّط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلّط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه قاله أبو القاسم الحكيم . وقال بعض العلماء : أولو العزم اثنا عشر نبيّاً أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله بني إسرائيل فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب . وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض فمنهم من نُشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صُلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حُرّق بالنار . والله أعلم . وقال الحسن : أولو العزم أربعة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى فأما إبراهيم فقيل له : { أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] ثم ٱبتلِيَ في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقاً وافياً في جميع ما ابتلي به . وأما موسى فعزمه حين قال له قومه : { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 26 ] . وأما داود فأخطأ خطيئته فنُبّه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها . وأما عيسى فعزمه أنه لم يضع لَبِنة على لَبِنة وقال : إنها مَعْبرة فٱعبروها ولا تعمروها . فكأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : اصبر أي كن صادقاً فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم واثقاً بنُصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتمًّا بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ، زاهداً في الدنيا مثل زهد عيسى . ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف . وقيل : محكمة والأظهر أنها منسوخة لأن السورة مكية . وذكر مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد فأمره الله عز وجل أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل ، تسهيلاً عليه وتثبيتاً له . والله أعلم . { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } قال مقاتل : بالدعاء عليهم . وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة . ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب . { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } قال يحيى : من العذاب . النقاش : من الآخرة . { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ } أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى . وقال النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب . { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } يعني في جنب يوم القيامة . وقيل : نسَّاهم هَوْل ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا . ثم قال : { بَلاَغٌ } أي هذا القرآن بلاغ قاله الحسن . فـ « ـبلاغ » رفع على إضمار مبتدأ دليله قوله تعالى : { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } [ إبراهيم : 2 5 ] ، وقوله : { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 06 1 ] . والبلاغ بمعنى التبليغ . وقيل : أي إن ذلك اللبث بلاغ قاله ٱبن عيسى ، فيوقف على هذا على « بلاغ » وعلى « نَهَارٍ » . وذكر أبو حاتم أن بعضهم وقف على « وَلاَ تَسْتَعْجِلْ » ثم ابتدأ « لَهُمْ » على معنى لهم بلاغ . قال ابن الأنباريّ : وهذا خطأ لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، وهي رافعة بشيء ليس منهما . ويجوز في العربية : بلاغاً وبلاغٍ النصب على معنى إلا ساعة بلاغاً على المصدر أو على النعت للساعة . والخفض على معنى من نهارٍ بلاغ . وبالنصب قرأ عيسى بن عمر والحسن . وروي عن بعض القرّاء « بَلِّغ » على الأمر فعلى هذه القراءة يكون الوقف على « مِنْ نَهَارٍ » ثم يبتدىء « بلغ » . { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي الخارجون عن أمر الله قاله ٱبن عباس وغيره . وقرأ ٱبن محيصن « فَهَلْ يَهْلِكُ إلاَّ الْقَوْمُ » على إسناد الفعل إلى القوم . وقال ٱبن عباس : إذا عسر على المرأة وَلَدُها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها وهي : بسم الله الرحمٰن الرحيم لا إلٰه إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 6 4 ] . { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . صدق الله العظيم . وعن قتادة : لا يهلك إلا هالك ومشرك . وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء . والله أعلم .