Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سبع مسائل : الأولى قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } قيل : إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيْط . وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عُقبة مُصَدِّقاً إلى بني المُصْطَلِق فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم في رواية : لإحْنَة كانت بينه وبينهم فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدّوا عن الإسلام . فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد وأمره أن يتثبّت ولا يَعْجَل فانطلق خالد حتى أتاهم ليلاً فبعث عُيُونَه فلما جاءوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه فعاد إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فنزلت هذه الآية فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم : " التأنِّي من الله والعجلة من الشيطان " وفي رواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المُصْطَلِق بعد إسلامهم فلما سمعوا به ركبوا إليه ، فلما سمع بهم خافهم فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله ، ومنعوا صدقاتهم . فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوِهم ، فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه ، ونؤدي إليه ما قِبَلَنَا من الصدقة ، فاستمر راجعاً ، وبلغنا أنه يزعم لرسول الله أنا خرجنا لنقاتله ، واللّهِ ما خرجنا لذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وسُمِّيَ الوليدُ فاسقاً أي كاذباً . قال ابن زيد ومقاتل وسهل بن عبد الله : الفاسق الكذاب . وقال أبو الحسن الوراق : هو المعلن بالذنب . وقال ابن طاهر : الذي لا يستحي من الله . وقرأ حمزة والكسائي « فتثبتوا » من التثبت . الباقون « فَتَبَيَّنُوا » من التبيين { أَن تُصِيببُواْ } أي لئلا تصيبوا ، فـ « ـأن » في محل نصب بإسقاط الخافض . { قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } أي بخطأ . { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } على العجلة وترك التأنّي . الثانية في هذه الآية دليلٌ على قبول خبر الواحد إذا كان عَدْلاً ، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق . ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها . وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود ، وإثبات حق مقصود على الغير مثل أن يقول : هذا عبدي فإنه يقبل قوله . وإذا قال : قد أنفذ فلان هذا لك هدية فإنه يقبل ذلك . وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر . وكذلك إذا أقرّ لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعاً . وأما في الإنشاء على غيره فقال الشافعي وغيره : لا يكون ولِيًّا في النكاح . وقال أبو حنيفة ومالك : يكون ولِيًّا لأنه يَلِي ما لها فيلي بُضْعَها . كالعدل ، وهو وإن كان فاسقاً في دينه إلا أن غيرَتْه موفّرة وبها يحمي الحريم ، وقد يبذل المال ويصون الحرمة وإذا وَلِيَ المال فالنكاح أوْلَى . الثالثة قال ابن العربي : ومن العَجَب أن يجوّز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق . ومن لا يؤتمن على حبة مالٍ كيف يصحّ أن يؤتمن على قنطار دَيْن . وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلّون بالناس لما فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم ، ولا اسْتُطِيعت إزالتهم صُلِّيَ معهم ووراءهم كما قال عثمان : الصلاة أحسن ما يفعل الناس فإذا أحسنوا فأحسن ، وإذا أساءوا فٱجتنب إساءتهم . ثم كان من الناس من إذا صلّى معهم تَقِيّةً أعادوا الصلاة للّه ، ومنهم من كان يجعلها صلاته . وبوجوب الإعادة أقول فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة ، ولكن يعيد سِرًّا في نفسه ، ولا يؤثر ذلك عند غيره . الرابعة وأما أحكامه إن كان والياً فينفذ منها ما وافق الحق ويردّ ما خالفه ، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تؤثر أو قول يحكى فإن الكلام كثير والحق ظاهر . الخامسة لا خلاف في أنه يصح أن يكون رسولاً عن غيره في قول يبلغه أو شيء يوصله ، أو إذن يعلمه إذا لم يخرج عن حق المرسِل والمبلِّغ فإن تعلّق به حق لغيرهما لم يقبل قوله . وهذا جائز للضرورة الداعية إليه فإنه لو لم يتصرف بين الخلق في هذه المعاني إلا العدول لم يحصل منها شيء لعدمهم في ذلك . والله أعلم . السادسة وفي الآية دليل على فساد قول من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجُرحة لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول ، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة . السابعة فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملاً بجهالة كالقضاء بالشاهدين العدلين ، وقبول قول العالم المجتهد . وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله . ذكر هذه المسألة القُشَيْرِي ، والذي قبلها المَهْدَوِي .