Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-116)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } . ٱختلف في وقت هذه المقالة فقال قَتَادة وابن جُرَيْج وأكثر المفسرين : إنما يقول له هذا يوم القيامة . وقال السّدي وقُطْرُب . قال له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت وٱحتجوا بقوله : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } [ المائدة : 118 ] فإنّ « إذْ » في كلام العرب لما مضى . والأول أصح يدل عليه ما قبله من قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } [ المائدة : 109 ] الآية وما بعده { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } [ المائدة : 119 ] . وعلى هذا تكون « إذ » بمعنى « إذا » كقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } [ سبأ : 51 ] أي إذا فَزِعوا . وقال أبو النجم : @ ثم جزاه الله عنِّي إذ جَزَى جنّاتِ عَدْنٍ في السّموات العُلاَ @@ يعني إذا جزى . وقال الأسود بن جعفر الأزدي : @ فالآن إذْ هازَلْتُهُنّ فإنّما يَقُلْنَ أَلاَ لَمْ يذهبِ الشَّيخ مَذهباً @@ يعني إذا هازلتهنّ ، فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لأنه لتحقيق أمره ، وظهور برهانه ، كأنه قد وقع . وفي التنزيل { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 50 ] ومثله كثير وقد تقدم . وٱختلف أهل التأويل في معنى هذا السؤال وليس هو باستفهام وإن خرج مخرج الاستفهام على قولين : أحدهما أنه سأله عن ذلك توبيخاً لمن ٱدعى ذلك عليه ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ في التكذيب ، وأشد في التوبيخ والتقريع . الثاني قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه غَيَّروا بعده ، وٱدَّعوا عليه ما لم يقله . فإن قيل : فالنصارى لم يتخذوا مريم إلهاً فكيف قال ذلك فيهم ؟ فقيل : لما كان من قولهم أنها لم تلد بشراً وإنما ولدت إلهاً لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضية بمثابة من ولدته ، فصاروا حين لزمهم ذلك بمثابة القائلين له . قوله تعالى : { قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } خرّج الترمذي عن أبي هُريرة قال : تَلَقَّى عيسى حجَّته وَلقَّاهْ الَّلَهُ في قوله : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } قال أبو هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " « فَلَقّاه الله » { سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } الآية كلها " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لأمرين أحدهما تنزيهاً له عما أضيف إليه . الثاني خضوعاً لعزته ، وخوفاً من سَطْوته . ويقال : إن الله تعالى لما قال لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أخذته الرّعدة من ذلك القول حتى سمع صوت عظامه في نفسه فقال : { سُبْحَانَكَ } ثم قال : { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } أي أن أدّعي لنفسي ما ليس من حقها ، يعني أنني مربوب ولست برب ، وعابد ولست بمعبود . ثم قال : { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } فردّ ذلك إلى علمه ، وقد كان الله عالماً به أنه لم يقله ، ولكنه سأله عنه تقريعاً لمن ٱتخذ عيسى إلٰهاً . ثم قال : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } أي تعلم ما في غَيْبي ولا أعلم ما في غَيْبك . وقيل : المعنى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم . وقيل : تعلمْ ما أخفيه ولا أعلم ما تُخفيه . وقيل : تعلم ما أريد ولا أعلم ما تُريد . وقيل : تعلم سِرّي ولا أعلم سِرّك لأن السرّ موضعه النفس . وقيل : تعلم ما كان مني في دار الدنيا ، ولا أعلم ما يكون منك في دار الآخرة . قلت : والمعنى في هذه الأقوال متقارب أي تعلم سرّي وما ٱنطوى عليه ضميري الذي خلقته ، ولا أعلم شيئاً مما ٱستأثرت به من غَيْبك وعلمك . { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } ما كان وما يكون ، وما لم يكن وما هو كائن .