Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 13-13)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } أي فبنقضهم ميثاقهم ، « ما » زائدة للتوكيد ، عن قَتَادة وسائر أهل العلم وذلك أنها تؤكد الكلام بمعنى تمكنه في النفس من جهة حسن النظم ، ومن جهة تكثيره للتوكيد كما قال : @ لِشيء ما يُسَوَّدُ مَنْ يَسودُ @@ فالتأكيد بعلامة موضوعة كالتأكيد بالتكرير . { لَعنَّاهُمْ } قال ٱبن عباس : عذّبناهم بالجِزية . وقال الحسن ومقاتل : بالمسخ . عطاء : أبعدناهم واللعن الإبعاد والطرد من الرحمة . { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي صُلبة لا تَعِي خيراً ولا تفعله والقاسية والعاتية بمعنى واحد . وقرأ الكِسائي وحمزة : « قَسِيَّة » بتشديد الياء من غير ألف وهي قراءة ٱبن مسعود والنَّخَعِيّ ويحيى بن وثّاب . والعام القَسِيّ الشديد الذي لا مطر فيه . وقيل : هو من الدّراهم القَسِيّات أي الفاسدة الرديئة فمعنى « قَسِيَّة » على هذا ليست بخالصة الإيمان ، أي فيها نِفاق . قال النحاس : وهذا قول حسن لأنه يقال : درهم قَسِيّ إذا كان مغشوشاً بنُحاس أو غيره . يقال : درهم قَسِيّ مخفف السين مشدّد الياء مثال شقِيّ أي زائف ذكر ذلك أبو عبيد وأنشد : @ لها صَوَاهِلُ في صُمِّ السِّلامِ كما صاح القَسِيَّاتُ في أيدِي الصيارِيفِ @@ يصف وقع المساحي في الحجارة . وقال الأصمعيّ وأبو عُبيد : درهم قَسِيّ كأنه معرّب قاشيّ . قال القُشَيْري : وهذا بعيد لأنه ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب ، بل الدرهم القَسيّ من القسوة والشدّة أيضاً لأن ما قلت نَقْرته يقسو ويصلب . وقرأ الأعمش : « قَسِيةَ » بتخفيف الياء على وزن فَعِلة نحو عَمِية وشَجِية من قَسِيَ يَقْسَى لا من قسا يقسو . وقرأ الباقون على وزن فاعِلة وهو ٱختيار أبي عبيد وهما لغتان مثل العَلِيّة والعالية ، والزّكِية والزاكية . قال أبو جعفر النّحاس : أولى ما فيه أن تكون قَسِيّة بمعنى قاسية ، إلا أن فَعِيلة أبلغ من فاعلة . فالمعنى : جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الإيمان والتوفيق لطاعتي لأن القوم لم يوصفوا بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها خالطه كفر ، كالدراهم القَسِيّة التي خالطها غِش . قال الراجز : @ قد قسوت وقست لِداتي @@ { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } أي يتأوّلونه على غير تأويله ، ويلقون ذلك إلى العوامّ . وقيل : معناه يبدّلون حروفه . و « يُحَرِّفُونَ » في موضع نصب ، أي جعلنا قلوبهم قاسية محرّفين . وقرأ السُّلَمِيّ والنَّخَعِيّ « الكلام » بالألف وذلك أنهم غيّروا صِفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم . { وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } أي نسوا عهد الله الذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان نعته . { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ } أي وأنت يا محمد لا تزال الآن تقف { عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } والخائنة الخيانة قال قتادة . وهذا جائز في اللغة ، ويكون مثل قولهم : قائلة بمعنى قيلولة . وقيل : هو نعت لمحذوف والتقدير فرقة خائنة . وقد تقع « خائنة » للواحد كما يقال : رجل نسّابة وعلاّمة فخائنة على هذا للمبالغة يقال : رجل خائنة إذا بالغت في وصفه بالخيانة . قال الشاعر : @ حدّثت نفسك بالوفاءِ ولم تكن لِلغَدْرِ خائِنةً مُغِلَّ الإصْبَعِ @@ قال ٱبن عباس : « عَلَى خَائِنَةٍ » أي معصية . وقيل : كذب وفجور . وكانت خيانتهم نقضهم العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيوم الأحزاب وغير ذلك من همهِم بقتله وسبه . { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } لم يخونوا فهو ٱستثناء متصل من الهاء والميم اللتين في « خَائِنَةٍ مِنهم » . { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } في معناه قولان : فٱعف عنهم وٱصفح ما دام بينك وبينهم عهد وهم أهل ذمة . والقول الآخر أنه منسوخ بآية السيف . وقيل : بقوله عز وجل : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً } [ الأنفال : 58 ] .