Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 50-50)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } « أَفَحُكْمَ » نصب بـ « يَبْغُونَ » والمعنى : أن الجاهلية كانوا يجعلون حكم الشريف خلاف حكم الوضيع كما تقدم في غير موضع ، وكانت اليهود تقيم الحدود على الضعفاء الفقراء ، ولا يقيمونها على الأقوياء الأغنياء فضارعوا الجاهلية في هذا الفعل . الثانية روى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال : كان إذا سألوه عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض يقرأ هذه الآية { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } فكان طاوس يقول : ليس لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض ، فإن فعل لم ينفذ وفِسخ وبه قال أهل الظاهر . وروي عن أحمد بن حنبل مثله ، وكرهه الثوري وابن المبارك وإسحاق فإن فعل ذلك أحد نفذ ولم يردّ ، وأجاز ذلك مالك والثوري والليث والشافعي وأصحاب الرأي واستدلوا بفعل الصدّيق في نحله عائشة دون سائر ولده ، وبقوله عليه السلام : " فارجعه " وقوله " فأشهِد على هذا غيري " واحتج الأولون بـ " قوله عليه السلام لبشِير : « ألك ولد سوى هذا » قال نعم ، فقال : « أَكلّهم وهبتَ له مثل هذا » فقال لا ، قال : « فلا تُشهدني إذاً فإني لا أشهد على جَوْر » " في رواية " وإني لا أشهد إلا على حق " قالوا : وما كان جَوْراً وغير حق فهو باطل لا يجوز . وقوله : " أشهِد على هذا غيري " ليس إذناً في الشهادة وإنما هو زجر عنها لأنه عليه السلام قد سماه جَوْراً وامتنع من الشهادة فيه فلا يمكن أن يشهد أحد من المسلمين في ذلك بوجه . وأما فعل أبي بكر فلا يعارض به قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعله قد كان نَحَل أولاده نُحلاً يعادل ذلك . فإن قيل : الأصل تصرف الإنسان في ماله مطلقاً ، قيل له : الأصل الكلي والواقعة المعينة المخالفة لذلك الأصل لا تَعَارض بينهما كالعموم والخصوص . وفي الأصول أن الصحيح بناء العام على الخاص ثم إنه ينشأ عن ذلك العقوق الذي هو أكبر الكبائر ، وذلك محرّم ، وما يؤدي إلى المحرّم فهو ممنوع ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال النعمان . فرجع أبي فرد تلك الصدقة ، والصدقة لا يعتصرها الأب بالإنفاق وقوله : " فارجعه " محمول على معنى فاردده ، والرد ظاهر في الفسخ كما قال عليه السلام : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " أي مردود مفسوخ . وهذا كله ظاهر قوي ، وترجيح جلي في المنع . الثالثة قرأ ابن وثَاب والنَخَعي « أَفَحُكْمُ » بالرفع على معنى يبغونه فحذف الهاء كما حذفها أبو النجم في قوله : @ قد أصبحت أُم الخِيار تَدَّعي علي ذنباً كلّه لم أصْنِع @@ فيمن روى « كلّه » بالرفع . ويجوز أن يكون التقدير : أفحكمُ الجاهلية حكمٌ يبغونه ، فحذف الموصوف . وقرأ الحسن وقَتَادة والأعرج والأعمش « أفَحَكَمَ » بنصب الحاء والكاف وفتح الميم وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة إذ ليس المراد نفس الحَكَم ، وإنما المراد الحُكمْ فكأنه قال : أفحُكمْ حَكَم الجاهلية يبغون . وقد يكون الحَكَم والحاكم في اللغة واحداً وكأنهم يريدون الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية فيكون المراد بالحكم الشيوع والجنس ، إذ لا يراد به حاكم بعينه وجاز وقوع المضاف جنساً كما جاز في قولهم : منعت مِصر إردبها ، وشبهه . وقرأ ٱبن عامر « تبغون » بالتاء الباقون بالياء . وقوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } هذا ٱستفهام على جهة الإنكار بمعنى : لا أحد أحسن فهذا ٱبتداء وخبر . و « حكما » نصب على البيان . لقوله { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي عند قوم يوقنون .